ناجح المعموري
شاع في الثقافة الأميركية بأن الثقافة الرفيعة جيدة والثقافة الشعبية رديئة ، لكن المفكر هول رفض هذه الحجة لكنه أكد على أن الثقافة العالية جيدة جداً وأشارت آراء ثانية على أهمية الثقافة الشعبية .
وواضح بأن تسفيل الثقافة الشعبية مفادة موقف سوسيولوجي ضد الجماعات المجتمعية الفقيرة وتلك التي وفدت الى الولايات الاميركية ، حاملة معها موروثها لذا كان الموقف المضاد تعبير ضدي للعناصر المكونة لهويات الجماعات الوافدة والتعامل معها بوصفها رديئة واعتقد بأن جماعة فرانكفورت لعبت دوراً بارزاً في هذا المجال وأسست حضوراً جديداً ، أعاد الحضور تدريجياً للثقافة الوافدة التي قاومت الموقف المضاد لها ولعل الدور الذي نهض به أدورنو في ترويج ضرورات الثقافة الجماهيرية ، أفضت الى قبول عدد من المشتغلين في النظرية النقدية . ومنهم " كلميمنت غرينبرغ " فكرة الثقافة الجماهيرية واستخدم الاثنان الفكرة بمثابة وسيلة للتمييز ، ليس فقط بين الجيد والرديء من الثقافة الشعبية ، ولكن لاقتراح أنه يمكن تطبيقها أيضاً على أمثلة الثقافة الرفيعة : النقطة عبر التمييز الشائع وهي تنطبق على الأفلام لكن ليس جميعها ، وعلى بعض البرامج التلفزيون وليس كلها ، وهي تغطي قطاعات فن الثقافة التقليدية فضلاً عن الثقافة الشعبية / جون ستوري / ت / د. صالح خليل ابو اصبع ود. فاروق / هيئة ابو ظبي / مشروع الكلمة / 1990 / ص94//
قال جون ستوري الباحث المختص بالنظرية النقدية والثقافة الشعبية بأن الحضور القوي في الحياة العامة للجماعات الوافدة الى الولايات الاميركية هي للفن اليومي الذي تعايشت معه الأفراد ، أكثر مما هو معلوم عن إنجازات الفنان الشعبي المجهول . وتنطوي مقولة جون ستوري على أن الحضور القوي هو للفنان الشعبي الاميركي والآخر الواحد الوافد مع موروثه ، بحيث صارت إبداعات الفنان والمقصود بالمعروف أكثر قبولاً وتواصلاً مع الأفراد من العلاقة مع الفن الشعبي ، لكن جون ستوري لم يطرد الفن الشعبي من التداول والتعايش ، لأن النظرية النقدية مثلما هو معروف أسست نظرية سوسيولوجية للثقافة والفن وعرفت بما تداولته الأفراد من الفنون الشعبية والثقافة وصارت ذات دور واضح في التنافس ، ومثل هذه الحضورات منحت للموروثات طاقة كبيرة وعززتها مراحلها وسهلت تقسيمات لها خاضعة لمراحل تميزت بخصائص وعناصر منفردة . وأنا اعتقد بأن ملاحظة ستوري التي ذهب الى أن الحضور الأقوى هو للفنان المعروف وليس للمجهول . لكن الأساليب لا تتعطل وحتى الوافد المختلف بأساليبه ذات الروح القديمة اضفت دوراً متجوهراً دالاً على الماضي ، لكن ستوري لم ينكر ما تميز به الاسلوب الجديد الذي غذته الفنون الجديدة ، وأيضاً استفاد منه المتكون الثقافي والمعرفي الذي دفع بالعقل الى حتمية قبول الوافد الفني والتجاور معه ، ولابد من التأكيد على أن جون ستوري لم يلغ حضور الفنان وتميزات نشاطه وتنوعات أسلوبه . ولم يتنكر للعلاقات المجتمعية الواسعة التي تبدت أكثر تشابكاً وتعقيداً.
ويبدو رأي ستوري غير واضح بخصوص الدور الشعبي الملغي أو الشخوص في القاع لا دور لهم ، لكن التفاعل الذي دائماً ما يتمظهر بين القيم والأعراف والتقاليد أكثر فاعلية ، خصوصاً بعد ما اشتبكت العناصر الموروثة وتلك ذات الأسلوب الجديد المبتكر . وقال جون ستوري " ورغم أن هذا الفن لم يعد الإنتاج المباشر " لطريقة الحياة " لــ " مجتمع عضوي " ورغم إنه ليس " مصنوعاً من قبل الناس " فانه لا يزال وبطريقة لا تنطبق على الفنون الرفيعة ، فناً شعبياً من أجل الشعب / ن . م / ص96//
يبدو لي الموقف النقدي لستوري أكثر وضوحاً ، عندما يذهب لعلاقة تشاركية ، متداخلة بين الثقافة الجيدة والأخرى الشعبية : بحيث الثقافة الشعبية ، قادرة على صوغ وتأسيس نوع من التآخي والتألف وتدعيم ما ينتج من الصلات " علاقة وئام " بين المنتج والمتلقي الذي يقصد به الجمهور الغفير ، الذي اتسعت قاعدته ، بمعنى أن نوعي الثقافي والفني لهما قوة جديدة لم تكن مثلما هو سائد سابقاً ، لأن الجديد الاجتماعي واتضاح دور العمل الصناعي مع سيادة العمران وكأن ستوري يوظف مقولة ابن خلدون حيث قال :
الفن الشعبي ..... هو تقليدي في الأساس ونمطي ، بعيد بشكل مكتف ، لتأسيس القيم والمواقف المعروفة اصلاً ، ويقيس ويعيد التأكيد ، لكنه يضيف الى ذلك شيئاً من مفاجأة الفن إضافة الى صدمة التقدير . ويشترك مثل هذا الفن مع الفن الشعبي في أصالة الاتصال بين الجمهور والمؤدي . لكنه يختلف عن الفن الشعبي في أنه فن مفرد ، فن المؤدي المعروف وقد أصبح الجمهور كمجتمع يعتمد على مهارات المؤدي ، وعلى قوة الأسلوب الشخصي لتطوير قيمه المشتركة وتفسير تجاربه / ن . م / ص97//
إن العلاقة القائمة بين المؤدي والجمهور متميزة بوئام يعني حضور المؤدي بوصفه فاعلاً ، لكن القراءة العميقة وتأويل الدور المجتمعي لا يعني غياب الموروث ، لأن مفردة المؤدي عامة ، لا تحمل كنية معبرة عن الفنان ، بل تتسع عن عمق زمني مع تباين واختلاف ، ولا تغيب عن هذا الصدفة أو أزمة النشوء المغاير . والمثير للاهتمام وجود علاقة قوية بين الفن الشعبي الذي صاغه ماضياً فرد واحد ، لأن الموروثات الفنية واحدية ، حتى التي تستغرق وقتاً طويلاً مثل الأزياء والنسيج وأعمال الخشب ، لكن ما يؤديه الفن المعروف يتشاكل جدلياً مع الفن الموروث ولا يمكن أبداً إلغاء هيمنته وتأثيره وقبول الجماعات به والانحياز له .
وعلى الرغم من وجود آراء متباينة ومختلفة بين الثقافة الشعبية والفن الشعبي وأهمية الدور الذي يميزهما معاً ، لكنهما لم يتباعدا عن بعضهما ، بل تجاورا مثلما ذكرت ، وهذه الظاهرة إحدى سمات النظرية النقدية ، لذا نستطيع القول بأن التواصل الاجتماعي فاعل حياتي وآلية مجتمعية قوية تنطوي على مواقف ورؤى نقدية ، كل رؤية تشير للمفكر الذي قالها تعليقاً أو تعقيباً أو بحثاً إضافياً على الفن والفن الشعبي أو الثقافة ، والثقافة الشعبية .