سعاد الجزائري
الخوف هو صلة الرحم بين المفترس وضحيته.. كلاهما يتحكم الخوف بفعله أو ردة فعله. الخوف هدف المفترس الذي سيتحقق، وهو بنفس الوقت ضعف الضحية وانكسارها..
تسمع صوت وصدى عوائهم في خفايا الظلام، صوت نداء تجمعهم عند الخطر وللتواصل مع بعضهم، وهو صوت كعسل مُر لجذب الإناث...
العواء يعلو ويعلو ليتجمع ذئاب حول وليمة الافتراس وليخلو الصمت من كل الأصوات إلا العواء..
الجزع يقود أحياناً الى المغامرة وربما للانتحار، الذي هو بالنهاية لعبة قاتلة...
أوقدَت النار بجمرة خوفها، وتربعت في منتصف الطريق، بين الوحشة والضياع، يلفها الصمت الطويل من كل الجهات، ويتسرب تدريجياً الى قاع الروح صوت يعوي، يتغلغل، كأنه نصل حاد، الى أعمق نقطة قهر تسكن جسدها المنهك، ثم يتسرب بلؤم فيطفىء ضوء عالمها..
تدرك جيداً أن انتصافها هذا الطريق هو الخطر بعينه، لكنها تاهت وقررت أن تترك للخوف حرية قيادتها، وانتهى الامر بأن تقدم رقصة الموت بحفلة الذئاب في ليلة جنون..
تعرف أنهم يتربصونها في الظلمة، يشمون رائحة الذعر ويستلذون بطعم خوف الضحية، فللخوف مذاقه الشهي عند المفترس، الذي تزداد رغبته وتتصاعد كلما إنهار سور الأمان بمعاول الخوف والترقب، عند الضحية...
تشتعل النار من جمر الانتظار والخوف الذي يتسرب من عرق الجسد الى الأرض ثم ينتشر بين ذرات الهواء فيخفق ويتطاير مع هبوبه.
تشم الذئاب رائحة الخوف وطعم طراوة الارتجاف والذعر..
الخوف يستهلك جسد الضحية ويثير عند المفترس لذة الافتراس وحلاوة الانكسار..
عيون الذئاب تقترب، تشكل حلقتها الدائرية، فتعكس شراهة العيون لمعان النار والذعر، واتقاد الرغبة في التهام الضحية...
تكبر حلقة القوة وتتصاغر دائرة الحياة ويضيق فضاء الهدف، تتجه الرغبات نحو الخوف الذي تسرب في هواء الوحشة، تلتمع عيون الكل؛ بعضها من لهيب النيران ورغبة الافتراس، وتلتمع عين الضحية بدمعها وخوفها معاً..
تقترب النار وتنصهر في عيون الذئاب ويختلط لمعان الرغبة مع لمعان الدمع والخوف...
يحتل الافتراس وحشة المكان، وتتناثر في عالم السكون أشلاء روحٍ كانت مرعوبة، يتلبسها الجزع فتتوسل وتنتظر الخلاص...
الذئب لا يترك ساحته إلا بعد أن يسكت آخر صوت فيها.. يعم الهدوء المكان، فتنسحب عيون الرغبة في زحمة الليل، وتترك خلفها قطرة دم، يتشربها رحم الأرض فتنبت منها زهرة وحيدة تنتظر ذبولها في وحشة الظلام والخوف....