ترجمة : عدوية الهلالي
مع كتابيها (أرض صقيعية) و(بولدر) ، تؤشر الشاعرة الإسبانية إيفا بالتاسار بعد عشر سنوات من الغوص في عالم الشعر ، خوضها مجال الرواية التي تكتبها باللغة الكاتالونية ،
وقد صدر الكتابان في إسبانيا ثم تمت ترجمتهما الى اللغة الفرنسية مؤخراً وصدرا عن دار فيردر للنشر.. ويعطي الكتابان إجابات عن المشاكل المعاصرة المتعلقة بالعمل والحب والأسرة ..
ترد أحداث الرواية الأولى ( أرض صقيعية ) على لسان راوية أنثى ، والتي تهيء طوال الرواية لانتحار لن يحدث أبداً , « لقد تعلمت اليوم أن الموت قابل للتحول « ، هكذا تعلن الرواية في رواية إيفا بالتاسار بعد أحد عشر يوماً من اتخاذها قرار الانتحار ..لقد غير الموت المفاجئ لشقيقتها ونسيبها – زوج شقيقتها – مصير هذه الشخصية التي عاشت حتى ذلك الحين بلا مشاعر ولاروابط أو آمال ، إذ كانت شغوفة بالفلسفة ، وغالباً ماكانت منفصلة عن العالم ولاتظهر أي حماس للعلاقات الإنسانية أو العمل ، حتى عندما كانت تحصل على منصب تحسد عليه ..أما أختها فقد كانت نموذجاً مختلفاً عنها لذا لم تكن تثير اهتمامها لأنها كانت تقاوم فكرة المحبة أو أن تكون محبوبة على الرغم من أنها ليست وحيدة ولديها عشاق لكنها وحيدة لأن رفضها الالتزام سيقودها الى الانفصال عن الشخص الوحيد الذي كان يمكن أن تحبه عندما يطلب الزواج منها ..
في نهاية الرواية ،وعندما تعتني بابنة أختها كلوديا ، التي دخلت المستشفى بسببب مرض في العين يهدّد بفقدانها بصرها ، تشعر بطلة الرواية أن الجليد – الأرض الصقيعية – يمكن أن يتكسر بعد أن كانت تتخذه كدرع يحميها ..هنا تنتقل الرواية بشكل تلقائي من ذكريات الطفولة والشباب الى الحبكة الرئيسة ، إذ تقرر الرواية أنها ستنفذ قرارها بالانتحار بمجرد أن تستعيد كلوديا بصرها ، ثم يبدأ عد الأيام الذي يحول الرواية الى مايشبه اليوميات الخاصة ، وعندما تصبح كلوديا يتيمة وتوافق الراوية على الاعتناء بها حسب وصية شقيقتها ، تتطور الرواية من هذا التناقض بين شخصية ترفض الأعراف الاجتماعية وتطمح الى إنهاء حياتها الى اضطرارها أخيراً للخضوع لعالم العمل والأسرة :” أنا ابتسم بدلاً من البكاء ..لعل الابتسام بدأ يذيب الأرض الصقيعية “
في مايخص الرواية الثانية فهي أقل حزناً من الرواية الأولى وتدور احداثها حول امرأة وحيدة وحرة ، تعمل طاهية على متن سفينة تبحر في ساحل المحيط الهادئ في أمريكا الجنوبية وتقع في حب رجل تتبعه الى ايسلندا ويرغب بانجاب طفل منها ..وعنوان الرواية ( بولدر ) هو اسم يطلق على الصخور الانفرادية الكبيرة الموجودة في جنوب باتاغونيا ، وهو الاسم الذي أطلقه العشيق سامسا على بطلة الرواية عندما التقيا في فندق في ميناء شايتن ، وقد كانت وحيدة ايضا وليست لها روابط بمدينة برشلونة التي عاشت فيها لفترة قبل أن تعمل في الطهي للمسافرين على ظهر السفن ..إنها امرأة بين الرجال ، تطهو بين البحارة ، أما صداقتها الوحيدة فتبدأ عند نهاية الرواية مع راجنار ، صاحبة حانة في وسط ريكيافيك ، وهي رفيقة مخمورة يمكنها التحدث معها عن كل شيء حتى عن رغبتها باقامة علاقات مثلية مع نساء أخريات..( بولدر ) إذن هي شخصية صخرية منيعة تستخدم الاستخفاف والسخرية لتواجه قسوة حياتها ، فالإحباط لايمنعها من الاستمتاع بالحياة ..
وتتمتع بطلتا الروايتين بعلاقة معقدة مع عالم العمل والعائلة ، ولكن ، في حين ينتهي المطاف ببطلة ( أرض صقيعية ) الى تغيير حياتها بفضل ابنة شقيقتها ، التي تحبها وتضطر الى الاعتناء بها بعد وفاة والديها ، تظل حياة بولدر ثابتة وجامدة ..
في الواقع ، وعلى الرغم من خصائصهما المشتركة ، فان مسارات شخصيتي إيفا بالتاسار متعارضة ، فلاتريد بطلة ( أرض صقيعية ) أن تغير حياتها ، ومع ذلك ينتهي بها الأمر الى الاستسلام لشكل من أشكال الحب ( الأمومة ) ، بينما توافق بولدر على خوض تحدي الأمومة بدافع الحب لكن فشل علاقتها مع سامسا يتسبب في انهيار كل شيء تم بناؤه حتى تلك اللحظة ..
وتنجح إيفا بالتاسار في كتابة رواية سفر لا تتغير فيها البيئة كثيراً. إذ تنتقل من سواحل تشيلي الصخرية والباردة والمهجورة ، الى أرض أيسلندا المعدنية والجليدية. أما أوصاف المناظر الطبيعية الصحراوية والأضواء القاسية فتضع إطاراً جيولوجياً يؤدي إلى الشعور بالوحدة . كما أن الكاتبة تجعل من الأمومة التي كانت مجرد موضوع هامشي في ( أرض صقيعية ) جوهراً لروايتها الثانية ( بولدر) ، وهنا يكمن ذكاء إيفا بالتاسار الروائي في متابعة آثار ذلك على الشخصيتين الرئيسيتين ..