TOP

جريدة المدى > عام > معرض «مواهب نسائية» لسيدات الفن التشكيلي.. ضوء أنثوي ساطع في جدار فنون عصر النهضة

معرض «مواهب نسائية» لسيدات الفن التشكيلي.. ضوء أنثوي ساطع في جدار فنون عصر النهضة

نشر في: 30 مارس, 2021: 09:52 م

روما: موسى الخميسي

حينما يطرح سؤال : هل توجد نساء فنانات في عصر النهضة الايطالية الذي يقع بين عامي 1250 ــ 1550 أعظم فترات فن الرسم في تاريخ الفن الغربي،

والذي شهد هيمنة الاسماء الذكورية على تاريخ الفن التشكيلي، مثل ليوناردو دافنشي ،ميخائيل انجلو ،رفائيل ، جورجوني، تيتسيانو، ميساجو، وديل سارتو... الخ، ولماذا ألقي بالنساء الفنانات الى هوامش التغيّيب؟ . فإن مثل هذا السؤال لا يقوض فقط حضور المرأة في تاريخ الفن، الى جانب حضورها الثقافي والفكري والابداعي ، بل إنه سؤال يطرح إشكالية بدايات مساهمة المرأة للفن، ويشير ضمنيا إلى قضية مهمة ، وهي أن المرأة، انتقصت من مساهماتها في التحولات النهضوية، في ذلك العصر الذي شهد ترسيخ القليل جداً من حقوقها في المساواة في الفرص الوظيفية، والحقوق المادية والعلمية.

إلا أن المعرض الفني الكبير لسيدات الفن التشكيلي الإيطالي في الفترة الواقعة ما بين 1500ــ 1600 الذي يقام حالياً في صالات القصر الملكي العريق في قلب مدينة ميلانو حتى نهاية شهر تموز/ يوليو القادم تحت عنوان”مواهب نسائية” بدعم بلدية ميلانو ووزارة الكنوز الثقافية ومؤسسة” براكو” للثقافة والفنون ،أكد بأن هناك دائماً فنانات من النساء كما من الرجال. لكن من الواضح ان الفنانات غالبا ما يتم تذكرهن على انهن نساء اولا واكثر مما ينظر اليهن على انهن فنانات، ذلك أن الثقافة الأوروبية في القرون الوسطى وبالذات عصر النهضة الايطالية ، كرست النظرة الى النساء عموما ًربطاً بجنسهن، ونسيان واقعهن كفنانات لديهن قدرات ومواهب متميزة تضاهي بكفاءاتهن المهنية ما انتجه عدد كبير من الفنانين في عصر النهضة نفسه ،

ولم تستطع المرأة إلى اليوم أن تظهر كفنانة مبدعة لها حضورها المقيد في حركة نهوض الفن التشكيلي الاوربي، الا ما ندر، فهناك من يشكك ويسأل كذلك عن إخفاق خطوات المرأة في الفن التشكيلي،. كما تتسع دائرة الأسئلة بالتشكيك ،عن لغة المرأة وأسلوبها في فن الرسم، إذ مازال الصنيع الفني للمرأة الفنانة ، يشار إليه بأصابع الاتهام من قبل نقاد الفن بان النساء يرسمن بأساليب الرجل، ويقلدنَّ موضوعات الرجال،وفنهن لايعدو أن يكون محاكاة للرسم الرجولي.

نادراً ما يشهد تاريخ الفن في عصر النهضة ظهورا للصنيع الفني للمرأة، لم يكن ثمة دور متميز في عالم الفن تؤديه النساء اللواتي واجهن خطاباً إقصائياً، وضع أغلبهن في خانة الإنسان من الدرجة الثانية، حيث تعيش المرأة الفنانة وضعية دونية لا تستطيع معها أن تفكر وتنتج كما يفكر الرجل. فنحن حين نقرأ عن فنون عصر النهضة نعني توصيفاً دقيقاً لتاريخ الرسم والنحت والمعمار والافكار والتأليف، وحركة التنوير التي تزعمها عدد من المفكرين الانسانيين، والتي ارتبطت هي الاخرى بالذكور .

هذا الوضع، يحيل بالطبع إلى قضية لماذا جرى إبعاد النساء عن دائرة الابداع الفني، إلا باستثناءات قليلة لا نستطع تعميمها وعدها أثرا لحضور المرأة الفني في التاريخ، مجرد كموديل تقف امام الفنان ليرسم موضوعاته. وقد أعطي في النقد الغربي حيزاً مهماً يحتاج إلى أن نطلعَ عليه ونتفهمه يتماشى مع ظروف المرأة الفنانة التي لا تملك أماكن خاصة للرسم” المرسم” أسوة بالفنانين الذكور ، ووقتاً خاصاً بها، ومالا تجنيه من بيع لوحاتها، ليساعدها في تدبر شؤون حياتها لتحلق في فضاءات إبداعية، كما حلق في عالم الإبداع والشهرة العديد من الفنانين الذكور.كانت المرأة، عبارة عن صورة جميلة موضوعاً، والنساء كن يُضئن كالمنارات في أعمال كل الفنانين منذ الأزل. وتجيب الاسماء الفنية النسائية التي تركت بصماتها على ما انتجته من إبداع فني مرموق مثل، ارتميسيا جنتليسكي، سفونيسبا اكويسولا، لافينيا فونتانا، اليزابيتا سيراني، فيدا كالتسيا، جوفانا كارسوني، كلاوديا بوفالو و... وأخريات بلغ عددن 34 فنانة، عرضت لهن نحو 150 عمل فني زيتي بمختلف الاحجام، ليكون رد لهذا الغياب الذي ارّخ له نقاد الثقافة الأوروبية التي لا ترحب بالاختلاف والمغايرة، في مسيرة الفن والفنانين.تميزت أعمال الفنانات باستخدام الأسلوب الواقعي الذي كان هدف فناني القرن الخامس عشر، وكان مفهوم تلك الواقعية هو إيجاد طرق جديدة لاظهار العالم الخارجي، فاذا عّد هذا نصراً فإن هذا النصر كان عذراً للتطور الذي مر به معنى الجمال عند كل الفنانين والفنانات، ولمعنى الحيوية وأخيراً لتأملهن الذاهل، واستطاعتهن التوفيق بين الواقعية والمثالية. وقد اتسمت أعمالهن الفنية بتنوع الحجوم، واتقان الخطوط الهندسية، وتأثيرات الضوء والظل في إظهار الأشياء المحسوسة الموروثة عن التأنيقيين، أما الاختيارات فقد انصبت على الوسائل التصويرية، وبطرق تؤدي الى الأسلوب الشخصي، ومجاراة الأساليب المتبعة في خلط العناصر الواقعية بالعناصر الرمزية، الى جانب الميل الى الفن التاريخي بحنين للحقيقة التاريخية دون أي اعتبار للنتائج، للحد تسخير قابلياتهن الفنية لارضاء عملائهن، لإظهار النساء كالاهات، والإلهة الإغريقية والرومانية على هيئة ملوك، الى جانب اتباع الطريقية الدينية المألوفة في الحياة،حيث تحمل لوحاتهن الشعور الديني العميق، حرصاً منهن على تحقيق رغباتهن وأحلامهن لتعلق أعمالهن في مذابح الكنائس جنباً الى جنب صور الملوك والأباطرة والأمراء.

اتسمت معظم أعمالهن التي توزعت على قاعات القصر الملكي باحساس مكتمل بالأساطير والحياة الفعلية في أبعادها الثلاثة وكل شيء متعلق بهذه الأعمال يتفجر حياة، إنهن يحبّبن الجسم الإنساني ويحببن الأردية التي تغطيه ويحبّن الحركة الحرة والفعل، بل يحّببن الطبيعة والحيوانات للونها وحيويتها، ويظهر هذا في لوحات الفنانة ارتيمسيا جينتليسكي، التي كانت تضع الأشياء التي ترغب برسمها خطوطاً أولى في البداية على الورق في البداية ثم يتم نقلها بعد ذلك الى لوحاتها الكبيرة. أغلب اللوحات المعروضة لاتقل ديناميكية ودراماتيكية، تحل الحركة الى جانب التزويقية، وتستدعي التأمل ندرك أن الهدف من هذا يتماشى مع الوسيلة، ذلك أن تأثير التزويقية المسرفة بالزهو، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطريقة المتأنية والمنظمة في الرسم، حيث يلعب الضوء والظل دورهما خلال الأبعاد الثلاثة، وحيث تتغلب الدراما في أحيان كثيرة على التأمل، من خلال إبراز التعبير والتقاطيع البدنية، وتميزت أعمال الفنانة كلاوديا بوفالو والفنانة لافينيا فونتانا في أغلب لوحاتهن صلة ملطفة بين الموضوعات الدينية والأسطورية وبين المنظرالطبيعي الخلفي المضاء من اللوحة، واثبات الأدعاء بان مثل هذا الموضوع البسيط يمكن أن يكون أساساً للوحة تطلب كل ذلك تواضعا نحو الطبيعة، فقد حققتا بأعمالهما الفنية إنجازاً رائعاً ،لا من الناحية الفنية فقط، وإنما من الناحية الاخلاقية أيضاً. فقد حررتا هذا الاتجاه الرسم من قيود الأسلوب والموضوع ووضعتا الحياة الساكنة على القاعدة بدلاً من التمثال. هدفهما كان على الدوام ايجاد تعادل في ذلك الجمال التقليدي. رسمتا القبح والرعب، فاستخدمت كل منهما ما استطاعت من ظلال قوية وخطوط هندسية متماسكة بأكبر تفصيل يدعو للروعة ويشبه الحياة.

في لوحات الفنانة اليزابيتا سيراني، تنتظم تصوراتها ضمن تاثير مألوف من الضوء والظل واخذت أهمية الجسم تتناقض لديها في حين ازدادت لديها أهمية التعبير، ولاح أن تعابيرها لم تكن نفسانية فحسب وإنما كانت سحرية أيضاً. إن من طبيعة الأحزان العظيمة أن تعمّق من روحية الإنسان، وهكذا كان الأمر مع 34 فنانة إيطالية مبدعة ممتلئة بعواطف إنسانية جياشة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram