حاورته : ضحى عبدالرؤوف المل
للسوريالية وقع في حياة الفنان "عدنان حميدة" فهو عندما يجاور في عمله عناصر الحيوانات وغيرها من عناصر إنسانية وجمادات الخ..
يكون قد رسم الواقع، فواقعنا سوريالي بالنسبة له وقد جمع تلقائيا بين مدارس عديدة في صياغة ما أتت بولادة قيصيرية، بل اتت من خلال تجنبه كلام النقاد ودارسي الفن كما يقول.
وقد عمل في التدريس والرسوم المتحركة لكسب المال اللازم لحياته الشخصية من غير أن تتاثر لوحاته بأمزجة مقتني الأعمال. وهذا أثر إيجاباً على خصوصية فنه ومع الفنان عدنان حميدة أجرينا هذا الحوار
- ما هي مراحل تطورك الفني حتى وصلت إلى هذه التحويرات في الوجوه والأشكال، وإلى أين ستصل بها ؟
عندما بدأت بالتعلم في مرحلة أكاديمية صلافة في مركز أدهم إسماعيل وكلية الفنون الجميلة جامعة دمشق. وبعد التخرج كانت المرحلة الحرجة التي جاهدت نفسي بالبحث عن أسلوب خاص، راجعت ذكرياتي وأكثرت من الدراسات التجريبية شكلاً ولوناً ومضموناً،بتقنيات فن التصوير والوسائط المتعددة. ومن الذكريات التي أثرت بي حديث والدتي وأنا طفل، عن موطني الأصلي صفد وعن أرضها وسمائها وثمارها وسهولها وهضابها وجبالها، تأثرت بالصور التي كانت تمر في مخيلتي من خلال حديثها، وأخذت عناصري في تكوينات وتقنيات تخدم تلك الذاكرة السمعية وأنا لم أشاهد مدينتي بأم عيني، لذلك كانت أعمالي تنتمي إلى التراب الخصب والخضرة التي تشبه جنة بسندسها واستبرقها تمر أمام عيني أشاهدها ولا ألمسها وفي الحقيقة أن ما سبق من ذاكرة وما تعلمته من فنون تلاقح فانتجت ما انتجت من أعمال. وإذا اردت أن اسرد مراحل فنية فأقول: أولاً : مرحلة الواقعية والواقعية الروسية. وتضمن هذه المرحلة مرحلة التخرج حيث كانت عن الفلكلور الفلسطيني.
ثانياً: مرحلة الانطباعية وبدء الاختزال. ثالثاً: دخول في التعبيرية من خلال الوجوه والحركة في الطبيعة والطبيعة الصامتة. رابعاً: إعادة تصميم التكوينات من البعد الثالث إلى البعد الثاني، وذلك لاعطاء بانوراما مشهدية للمواضيع التي اشتغلت عليها . دخول التعبيرية المجاورة للسوريالية في أعمالي تقودني إلى إضافة رموز موحية بدلالاتها الى تاريخ منطقتنا بلاد الشام وأثرها الخاص عندي .
- كيف تناولت الموضوع الفلسطيني ولماذا لم تطرحه بشكل مباشر في أعمالك؟
الموضوع الفلسطيني تناولته منذ تخرجي من كلية الفنون عام 1985، والناظر المتأمل في كثير من أعمالي يجد فلسطين ولكن بشكل حسي وليس بشكل مباشر إلا ما ندر كما في لوحة فلسطين في عيوننا ومجموعة أعمال من تحت الركام بدأت بها تأثراً في الحرب على غزة الأولى والثانية. ويجب أن يفرق المتلقي بين الملصق الإعلاني وبين اللوحة الخاصة التي تعطي حساً خاصاً من ذات الفنان يكون قابلا للتأويل، بينما الملصق الإعلاني يجب أن يتجه مباشرة للفكرة دون أي تأويل مختلف من أي متلقي. ومن خلال قراءة تاريخ الفن وفلسفة الفن. فالفن التشكيلي هو نص بصري يلامس الوجدان والإحساس وله مقوماته في الفن القديم والفن الحديث، ولفنون الاتصالات البصرية المرئية والمطبوعة أن تتجه للمشاهد المتلقي بشكل مباشر لايصال المعلومة، ولو حتى ليست نشرة أخبار، وهناك مقولة : ما قام به غيرك عنك لا تقم به أنت. عملي الفسطيني يشاهد من خلال اللون والرموز التي في خاصة ذاكرتي والتعابير الإنسانية التي تتشابه في مأساتها ووجدانها في بلادنا. أما عن مجموعة أعمالي التي اسميتها طبيعة غير صامتة، فهي مجموعة بدأت بأنسنة الجمادات احتجاجاً على صمت الأحياء تجاه قضايانا العادلة الانسانية وما اغتصب من حقوق على مر اكثر من سبعين عاماً. وأما عن مجموعة الأعمال التجريدية التعبيرية فهي عزف حزين ممزوج بفرحة خائبة على أوتار الألوان التي تخفت تارة وتسمعك ضجيجاً بصرياً تارة أخرى .
- هل تتجنب قسوة الواقع بالضوء وضبابية الألوان؟
الضوء وتغييب بعض أجزاء من لوحة بعد رسمها هو امر فني استخدمه في عملي لاظهار عنصر اكثر من غيره بحسب نظرية جشطلت حول تلقي الناظر الى أي مشهد سواء في الفن التشكيلي أو السينمائي. فمخرج العمل من مهمته أن يقود العين بتجوالها في المساحات المصممة ، حتى لو كان هناك تكراراً لعنصر في اللوحة الواحدة كما فعل بول سيزان في لوحة البرتقال، ولكنه بعبقريته جعل من تكرار البرتقالات سحراً يأسر عين المتلقي بانتقالها الى جميع البرتقالات من غير أن تمل العين، وذلك لأنه جعل من التكرار تكراراً غير متشابه في الحجم واللون والاتجاه. استخدم أحياناً إضاءة كإضاءة في مسرح كي لا يتشتت البصر عن الموضوع الاساسي في العمل . من ناحية أخرى استخدم احياناً التعتيم والتغييب لأجزاء قد تبدو لو اني تركتها كما رسمتها أول مرة قاسية مرة بشعة كبشاعة الواقع. ومع أن كل لمسة وشكل له عندي ذاكرة خاصة بي. ولكنني اترك للمتلقي مساحة كي يفسرها بحسب ملامسة مخزونه البصري والفكري . وأود البوح هنا اني اتجول في مناطق سوريا كل فترة حتى ارى ما يشابه بلدات وقرى فلسطين، لذلك كانت ألواني من ترابها وشمسها وشخوصها .