ترجمة حامد أحمد
المكتبة الرئيسة في جامعة الموصل كان قد تم افتتاحها في العام 1921 ، وبعد تبرعات قدمتها 60 مكتبة من مكاتب المدينة في العام 1967،
ازدادت مقتنياتها الى ما يقارب من مليون كتاب . كانت المكتبة تضم كتباً تبحث في مواضيع مختلفة مثل الأدب والعلوم والفلسفة والقانون والثقافة وتحتوي على خرائط قديمة ومخطوطات و صحف قديمة . وبمرور الوقت أصبحت بمقام مركز الجامعة البحثي وكان يزورها ما يقارب من 1,500 طالب يومياً .
ولكن كل ذلك تغير عندما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي الموصل في حزيران عام 2014 . اقتحم عناصر التنظيم المسلح المكتبة وبدأوا بتحطيم محتوياتها وحرق كتبها .
في بداية عام 2015 حمل داعش ما يقارب من 8,000 كتاب في شاحنات وذهب بها الى خارج المدينة واضرم النار فيها ، ووصف مدير عام اليونسكو هذا الفعل بأنه “ محو وتدمير ممنهج للإرث الحضاري .»
وفي الوقت الذي تم فيه إتلاف كثير من الكتب ، فان البناية نفسها بقيت غير متضررة على نحو كبير لحد ما بدأت حرب التسعة أشهر لتحرير المدينة في أواخر عام 2016 ، وبينما تمكن الجيش العراقي من طرد مسلحي داعش خارج الموصل فإن آلاف الناس قد تضرروا بين قتل وجريح ، وكثير من الناس هربوا من إهوال الحرب وتم تدمير كثير من الأبنية بضمنها المكتبة . فقد لجأ مسلحو التنظيم لحرقها وتعرضت بناية المكتبة لقصف صاروخي وسط محاولات طرد التنظيم من المدينة .
تهاني صالح ، كانت في العام 2014 طالبة علوم اقتصادية في الجامعة . وعندما بدأ القتال بقيت ملازمة بيتها حوالي 1,000 يوم . هي الآن تبلغ 28 سنة من العمر وتعمل على إعادة إعمار المكتبة .
وهي تتذكر مشاهدتها لأعمدة دخان سوداء كثيفة تأتي من البناية ، وقالت إن النار بدت “ جنونية “ وإنه بامكانها رؤية الدخان رغم موقع بيتها البعيد جداً عن المكتبة .
أعتاد ، محمد جاسم الحمداني ، الإشراف على المكتبة . وقال انه شاهد صور البناية المحطمة من على شاشة التلفاز . في ذلك الوقت كان قد غادر الموصل هروباً من ظروف القتال .وقال إنه لم يكن يتوقع بأن المكتبة ستنجو من التخريب ، ولهذا بدأ بانشاء مكتبة جديدة لطلاب جامعة كركوك .
بعد انتهاء القتال فقدت مكتبة جامعة الموصل 95% من مقتنياتها من الكتب . وقال الحمداني إن هناك كثيراً من الكتب والمخطوطات التي فقدت لا يمكن تعويضها .
في حزيران عام 2017 استعادت القوات العراقية المدينة بضمنها الجامعة . اعتقدت ، صالح ، في وقتها أنه بامكانها العودة للجامعة . ولكنها تساءلت أين يمكن لها أن تدرس وتتابع أبحاثها بدون المكتبة ؟ وأكدت بقولها “ لقد تم تدمير جامعتي .»
وفي الوقت الذي لم تكن قادرة فيه على إيقاف الدمار الذي حصل قبل سنوات ، فقد أدركت أنه بإمكانها العمل على إعادة بناء المكتبة .
حصلت على مساعدة من زميلها ، عمر محمد ، لقد كان يدير مدونة على الانترنت اطلق عليها اسم عين الموصل . عمل الاثنان سوية لتوجيه أنظار العالم وانتباههم الى المكتبة المدمرة مع استخدام موقع تويتر لطلب مساعدة من الناس .
وغرد محمد على موقع تويتر بتعليق جاء فيه “ تم تحرير مكتبتنا المركزية ، ولكنها تحولت الى رماد . هل انتم راغبون بالتبرع بالكتب لها؟»
قسم من الناس عرضوا المساعدة ، ولكن آخرين قالوا بانه ما تزال هناك كتب داخل المكتبة لم تحترق . هل يمكن استرجاع هذه الكتب وترميمها ؟
بعد مرور فترة من الزمن ، ذهبت صالح الى المكتبة برفقة قسم من الأصدقاء . كان الأجواء مظلمة وباردة وخطرة . كانو قلقين أزاء الألغام والعبوات الناسفة غير المنفلقة والتي قد تنفجر في أي وقت .
وبينما كانوا في الداخل ، اكتشفت صالح وأصدقائها مكاناً في المكتبة كان يحوي صحف وجرائد قديمة ، كانت تلك الصحف قد نجت من الحريق . وكتب محمد في مدونته عن الاكتشاف الذي حققته صالح .
طلب من الناس المجيء للمكتبة والمساعدة في استرجاع وإنقاذ الكتب والصحف التي عثر عليها داخل المكتبة ونقلها لمكان آمن ، قدم ما يقارب من 20 شخصاً متطوعاً وعمل تحت ظروف أجواء الطقس الحار على مدى 40 يوماً . وعلى مقربة منهم ، في الجانب الغربي من الموصل ، كانوا ما يزالون بمقدورهم سماع مجريات القتال . تمكن المتطوعون في ذلك الوقت من نقل حوالي 32,000 ألف كتاب .
كان ذلك بمثابة عمل مضنٍ و تكتنفه المخاطر . في إحدى الأيام أخبر الجيش العراقي المتطوعين بأن يغادروا خشية أن يستهدفهم مسلحي داعش .
وقالت صالح انه بعد عشرة دقائق من مغادرتهم المنطقة ، سقطت ثلاثة صواريخ بالقرب من المكان . كان صوتاً عالياً وشعر الناس بالقلق . ولكن واصلوا على المجيء في اليوم الثاني لانقاذ الكتب ونقلها ، وذكرت صالح بان المتطوعين كانوا يسخرون من داعش بانه لن يخيفهم ، وكان عملهم يعكس روح الأمل .
بعد ذلك قدِم عدد إضافي من الناس لتقديم المساعدة في انقاذ الكتب وحتى انجاز مزيد من العمل لمساعدة في إرجاع الحياة للموصل.
ثم أطلقت المجموعة حملة تبرع بالكتب ، أكثر من 4,000 شخص قدموا جالبين معهم كتباً لرفد المكتبة ، وقسم من الناس جلبوا معهم أدوات موسيقية لعزف موسيقى داخل المكتبة ابتهاجا بالمناسبة . و بعد مرور الأيام قدم مزيد من الناس ليتبرعوا بالكتب ووصل عدد الكتب الآن بحدود 60,000 كتاب .
الآن الكتب في أمان على رفوف كلية التربية في الجامعة ، ولكن البناية ما تزال تحتاج عمل ترميم كبير ، وتحاول الحكومة العراقية تخصيص أموال لأعمال الترميم وإعادة الإعمار هذه .
عن موقع VOA