TOP

جريدة المدى > عام > علم اجتماع الثقافة .. الجسد والمطبخ

علم اجتماع الثقافة .. الجسد والمطبخ

نشر في: 17 إبريل, 2021: 10:04 م

ناجح المعموري

هذه المقالة واضحة وصريحة عن الجسد ، وعلاقته مع المطبخ ، ومثل هذا العنوان شاع حضوره واتسع انتشاره في الدراسات الثقافية ، وعرفته عديد من البحوث والدراسات والكتب والمجلات .

وكنت أنا أول باحث عراقي انشغل بهذا الموضوع منذ سنوات وتحدثت عن مشروعي " ماذا كان يأكل العراقيون القدماء " وحققت تقدماً يعرفه الأصدقاء ، لكني فوجئت بصديقي د. قيس كاظم الجنابي باصدار كتاب عن الطعام مع إشارة ذكية لمشروعي ، لكن ما انجزه د. قيس الجنابي تجميع مباشر وسريع عن وسائل الاتصال ، وأصدرته دار التنوير في بيروت .

كان تعطلي عن استكمال كتابي المشار له هو تنوع اهتماماتي الثقافية المعروفة ومتابعة مسؤوليتي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب / في العراق ، لكني استعدت العمل والتفرغ لذلك . وعاودت متابعة كثير المصادر التي حرصت على شرائها من معارض الكتب في الداخل والخارج ولابد من الإشارة الى أن سفرتي الأخيرة الى القاهرة قبل الوباء اقتنيت كتاباً مهماً للغاية " الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة " د. سامية قدري لاعداد المقدمة التي سأجعلها أول إشارة لكتابي الذي سأذهب لاستكماله ، أنا لا أخفي الجهد الثقافي والمعرفي الذي تمكنت منه د. سامية وغزارة المعلومات المطلعة عليها مع كثير من المصادر الثقافية الجديدة .

وقد أشارت د. سامية الى أهمية العلاقة الجوهرية بين الجسد والمطبخ ، التي لم تكن ذات طابع مادي فقط بل تذهب الى توفير الطعام للتمكن من أجل الضرورات البيولوجية للجسد ، على الرغم من حضور العلاقة الرمزية ذات الاهتمام الثقافي الملحوظ ، والمعروف والذي سيساهم على إنارة حاجات الأفراد والجماعات والشعوب ، التي لها مساهمة جوهرية مع الأجساد ومكون الهويات الوطنية والقومية والذاتية من خلال تنوع الأطعمة التي يأكلها الأفراد بعد تصنيعها ، وقدمت د. سامية توصيفاً مركّزاً لتحليلات الثقافة الكاشفة للعلاقة بين الطعام والجسد والهوية ، والهوية الثقافية لجماعة ثقافية بعينها ، أو الهوية المبنية على النوع الاجتماعي " رجل ، امرأة " او حتى الهويات الثقافية الجديدة الناجمة عن العولمة : عولمة الطعام من ناحية وعولمة الجسد والهوية من ناحية أخرى وأضافت د. سامية الى العلاقة بين الطعام ، الأكل والثقافة " المحلية والعالمية " وما أفرزت من الظواهر تحت تأثير عملية العولمة ، وما نجم عنها من انتشار السلع الغذائية العالمية ، الى مختلف المجتمعات والثقافات ، وما جعل أغذية يعنيها تنتشر في مكان ، محددة بالعالم وتتكرس بحضور مهم في العرض واتساع الطلب .

إن اهتمام الدراسات الثقافية ، منذ انبثاق هذا المجال الثقافي والمعرفي ، وسط جماعة برمغهام ، ازداد التنوع الثقافي وتعمق كثيراً ، بحيث تبدَت عناصر لها وظيفة محددة من الطعام وهي التي لها تأثير على النوع ، ومنها ما كان جوهرياً للرجال وأيضا كذلك للمرأة ، لأن العولمة انتشرت في الإعلام ... وتمظهر العناية بالمرأة وما تحتاجها من طعام ، تستجيب له حاجاتها الخاصة بمرحلة ما ، في حياتها ومراحلها المتنوعة والذي تستدعيه المرأة ، في لحظة ثقافية معينة وتشكل من أشكال الحوار الثقافي العالمي الحديث ، هذا ما قاله الطاهي الفرنسي الأول في العالم " اليكس سوير " في القرن التاسع عشر والتي أصبحت اليوم حقيقة ، وما يتناوله الكائن يكشف عن اهتمام الإنسان وكذلك الجماعة التي ينتمي إليها ثقافياً " فهو لا يعلن لنا عن اذواقهم ، وامتعتهم ، وتطلعاتهم او روتين حياتهم اليومية ، ولكنه يخبرنا أيضاً باحساسهم بذواتهم ، ونوعهم الاجتماعي ، والى أي عرف ينتمون وطبقتهم الاجتماعية ، وغيرها من الأمور فالطعام يمكن أن يكشف عن عديد من الجوانب لشخص ما ، في جماعة اجتماعية أو في مجتمع ما . فكيف يأكل الناس وماذا يأكلون ، وكيف يضيفون طعامهم ، وكيف يوزعونه . ومشاعرهم المطبخية وكرههم لاتباع الحمية الغذائية ، إن مراعاة مثل هذه الموضوعات ، يمكن أن يلقي الضوء على الجوانب الاساسية لكل شعب / د. سامية قدري / ن . م / 216//

أكدت د. سامية قدري رأياً أخذته من ليفي شتراوس عن مطبخ حضارات الشرق . وأتذكر بأنه أكد وجود خاصية للجغرافية وتماثلات بينها ، لكنها ، لكل حضارة مهمة مطبخها الخاص المنفرد مع وجهات تشابها مع ما يجاورها بحيث تبرز الحضارة المعنية بعناصرها الثقافية ، حيث تلعب الطبيعة دوراً بارزاً تتمظهر أطعمته تعريفاً بها وتحوز على تعريف مهم ويكفي الدنو إليه التعرف على حضارته ، وتتجاور مع معارفها وتقاليدها وقيمها ، التي تتحول قريبة للجماعات القريبة منها والسبب كما ذهبت إليه د. سامية قدري الى أن الجماعات تبتكر ثقافات خاصة تغلف الطعام بالمعاني ، ولكن معاني العالم حينئذ تحدث تأثيرات بعيدة المدى على ما يفكر فيه وما يفعله هؤلاء الناس . من هنا تتبدَى ــ دائماً ــ الثقافات والمعاني في مقدمة اهتماماتهم ، مثل علم الاجتماع الثقافي / ينظر / د. سامية قدري / ص217//

قال جان بوتيرو ، عالم الآشوريات المعروف في حوار سريع بأن العراق القديم مشحون بتراكمات ثقافية استولدها في طبيعته ، وصارت بعضاً مهماً من فعالياته وانشطته ذات الفعالية القوية مع مطبخه الذي لعب بوضوح في ترسيخ ديانته المنعكسة . في معبده ، عبر المشروبات والطعام وحتى آليات ممارسة الجنس المقدس . وهكذا ما تتطور الأنشطة والتقاليد والسحريات . والشعائر حتى تتسيدَ ، لتكون معايير دينية ذات طاقة تحفيزية يتداولها المعبد ، كمركز ديني ويضفي عليها ، ما يمثل ضرورة ملحة لاهتمامات العصر .

إن علم الاجتماع الثقافي بإمكانه استخدام كل ما توصل إليه ، في دراسة كيف يكون المستوى الكلي ، والعوامل المادية الخاصة بالغذاء ، أن تؤثر على إنتاج المزيد من العمليات ، على المستوى الجزئي " رمزية " والأهم كيف يمكن أن تؤثر هذه الأخيرة على الأولى بطرق مهمة / د. سامية قدري / ص218//

وحصل اهتمام استثنائي بتأثير جماعات برمنغهام تمظهرت بكثير من الدراسات والبحوث ، هذا ما جعل علم الاجتماع الثقافي من الذهاب بجرأة نحو الطعام وضرورات إشاعة ما هو جديد في حياة الجماعات ، وتجعل منه مركزاً متمتعاً ببعد ثقافي ، لا يمكن التقليل من حضوره في المدن وهكذا حتى يهيمن على البلاد بالكامل ، ويصير من الصعب التقليل من وظائفه وتبديها على الجسد ، لأن للطعام دور واضح اكد عليه علم الاجتماع حيث صار الطعام مدونة على الجسد وخصوصاً جسد الأنثى إنه معلم حيوي ، وعنصر هوياتي ضمن مجال الممارسات الغذائية ، إن دراسة علم الاجتماع الثقافي للطعام تمدنا بفهم معقد للعديد من الجوانب الاكثر حسماً في استهلاك الطعام في الوقت الحاضر / ن . م/ ص218//

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram