تهبُكَ الحياةُ لقاءات مع شخصيات تزامنية، وأعني بهذا التعبير، الشخصيات التي لا تؤمن بالزمني المتعاقب طريقاً لها، فهي شخصيّاتٌ تنتمي إلى لحظة وجود دائمة ممتدة منذ الخليقة الأولى، وستظل مستمرة إلى آخر الكون..
الحديث عن ناجح المعموري، حديث طويل، وإن كان لا بدّ من الاختصار، فَحَسْبُ الكلمات أن تتَّجه إلى محورين: الأول، محوره العقلي الفكري، فهو حرّيف ابتكار المشروعات المفتاحية في مجال الفلسفة والتاريخ والانثروبولوجيا والأدب، فما يلتقطه، ويصبّه في إطار محاورَ، عملٌ جبّارٌ لا يُضاهى، وما يجترحه من ارتباطات علمية أمرٌ يعجز عن ولوجه متخصصون، لكنّه بسلطة معلوماته المباشرة المتراكمة عبر الأزمان يتصدّر الواجهة ويكسب قصب السبق وبراءة الاكتشاف. والآخر، محوره الإنساني، فهو المتواضع الشاهد للجميع بالفضل، وإن كان متفوّقاً عليهم، وهو المسامح الكريم، وهو الموقف الشجاع الذي لا يهادن في الحقيقة، وهو الأب والمحتوي.
عمر السراي
عرفت الأستاذ ناجح المعموري منذ أكثر من نصف قرن، كنت أحضر لقاء أسبوعياً في مقهى صغير يجتمع فيه المعموري مع نخبة من أدباء الحلة في حوارات مفتوحة لا تخرج عن الهموم الأدبية والفكرية الجادة. ما بقي ثابتاً في شخصية المعموري وتعزز بمرور الأيام والعقود صفة بارزة تميزه وتؤكد أصالته، لاحظت منذ البداية أن الكتاب بين يديه، رواية كان أم ديوان شعر أم بحثاً، يكتسب حياة دافئة وجاذبية لا تقاوم. يبحث المعموري عن الإبداع الحق ويحتفي به ويتذوقه بعيداً عن أية اعتبارات لا تنبثق من سحر هذه العلاقة الفاتنة. لن أنسى أنه كتب عن روايتي الأولى "القنافذ في يوم ساخن" خمس مقالات وتحدث عنها في أكثر من محفل في احتفاء فريد من نوعه. يكفي هذا لإلقاء الضوء على أصالة المعموري وصدقه وغرامه بالأدب والمعرفة.
فلاح رحيم
ناجح المعموري ضمير ثقافي في ثقافة أي بلد، بشكل أو آخر ، ثمة اسماء تتشكل خارج كل الألعاب [السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها] مع أنها داخلها وفي قلبها وفقاً لضرورات الواقع.
ناجح المعموري واحد من العناوين التي يطلق عليها تسمية "الضمير الثقافي" غير المندرج تحت يافطة بل هي، الضمائر تلك، يافطة فكرية مكتفية بذاتها.
أحياناً حين يرتبك النقد وترتبك الرؤية النقدية تصبح العودة والاحتكام الي تلك الضمائر الثقافية هي الكفيلة بازاحة السائد الشائع الخطأ عن المسكوت الصح، لأن الضمير الثقافي ببساطة ديكارتية لا تبتغي سبر أغوار غابات العمق الثقافي .
في ناجح المعموري واسماء قليلة جداً أخرى يمكن أن نلتفت معها الى ماخفي ،كما يقال هو أعظم، لأنه يقول لنا في الرواية التي هي ملعبه الأول والمسرح والتشكيل ،الأساطير والتراث وفي الشعر ملعبه النقدي الجامع والشامل لكل هذا وفقاً لمقولته [الشعر هو الوريث الأول للأساطير.
عني، لو كان الأمر شخصياً هكذا، سأقول عن المعموري حكايات طويلة ،نادرة تؤشر ماقال ومالم يقل في أكثر من ٤١ كتاباً مهما حملت أغلفتها اسمه ومارشال مشروعه النقدي والفكري التنويري شديد الغزارة والعمق.
وسام هاشم