علي حسين
بعد أن تفجرت الاحتجاجات في تونس عام 2011 وانتهت برحيل زين العابدين بن علي ، وظهور حركة " الأخوان المسلمين " تحت تسمية "النهضة " رافعة شعار "دولة القانون"، وكنا نحن قد عشنا في هذ البلاد ولا نزال مع هذا الشعار" دولة القانون " ،
كتبت آنذاك مقالاً قلت فيه: هل سيخدع التونسيون مثلما خدعنا، وهل ستنتهي تضحيات التونسيين بمثل ما انتهت إليه تضحيات إخوة لهم في العراق لا يستطيعون القيام بمظاهرة أو احتجاج إلا بموافقة السلطات الرسمية؟ وهل سيضع أولو الأمر قانوناً للأخلاق العامة مثلما يصر ساسة العراق على تشريعه لنا، وهل سيستجدون الحرية مثلما نستجديها اليوم؟ وكنت أخشى على أشقائنا في تونس من شعارات تنادي بدولة القانون، لأنها شعارات براقة سرعان ما يلتف الساسة حولها فيفرغونها من مضامينها الحقيقية، فينتشر الفساد المالي والإداري وتكشر المحاصصة عن أنيابها لتتقاسم الأموال والمنافع لتحرم الشعب منها. فما مر بتونس مر في العراق من قبل حيث قام الساسة عندنا قبل الانتخابات برفع شعارات الخطاب الوطني ، ومقولات مثل المنصب للكفاءات ، والدولة لخدمة المواطن ، والعدالة الاجتماعية للجميع . فما الذي حدث بعد ذلك؟ قرر أشاوسة السياسة نسف اللعبة الديمقراطية بأكملها والانقلاب على هذه الخطة، والعودة بالبلاد إلى زمن القرون الوسطى.. اليوم يدفع شعب تونس ضريبة شعارات أحزاب السلطة مثلما دفعنا وتحولت تونس من دولة للقانون إلى حلبة للصراع راح ضحيتها شخصيات مناضلة بحجم شكري بلعيد.. ليجد الشعب التونسي مثلما المصري الذي انخدع بجوقة محمد مرسي والليبي الذي تعبث به الميليشيات المتطرفة ، وقبلهما العراقي نفسه أمام ساسة لا يجيدون غير لعبة "غزو المناصب" وبيع الوهم للناس، من خلال المتاجرة بالدين للوصول إلى كرسي الحكم.. حيث تركوا خدمة البلاد ليحدثوا الناس عن عورة النساء وأهمية النقاب وخطيئة الفرح والغناء والسعادة ، واتهام المعارضة بأنهم زنادقة وملحدون، بعد سنة واحدة في مصر وعشر سنوات في تونس وليبيا وتسعة عشر عاما في العراق اكتشفت الشعوب أن مسؤوليها وساستها فاشلون بامتياز يريدون أن يبيعوا الكذب على أنه منجزات، مستغلين حاجة الناس إلى الأمن والخبز والاستقرار.. وان احزابها ولائها لاحزابها وليس للوطن ، وان من يعارضهم ينفذ أجندة أجنبية تريد نشر الفسوق والكفر؟.. ماذا سيقول العراقيون وهم يعيشون في ظل احزاب مؤمنة تسيطر على معظم مؤسسات الدولة
تكشف لنا الاحداث في تونس ، وما تفعله حركة النهضة ، أن مثل هذه الحركات السياسية لا تجيد سوى نشر الإحباط وقتل الأمل في النفوس، وتحويل البلدان التي انتظرت السعادة إلى بلدان يرضى أهلها بما مقسوم لهم في ظل ساسة ومسؤولين مهمتهم الأولى تعبيد طرق الآخرة أمام الناس وطرق السعادة والرفاهية أمام عوائلهم وأحبابهم ومنتفعيهم.