ثائر صالح
يستعمل قادة الفرق الموسيقية الغربية عصا صغيرة لتوجيه العازفين، وقد نتساءل، متى بدأ هذا التقليد؟ وما هي جذوره؟
قد تبرز الحاجة الى وجود شخص يقود عدداً من العازفين أو المغنين لتقديم عمل موسيقي أو غنائي وتوجيههم بإعطاء الارشادات المطلوبة للإيقاع، وتتضاعف مسؤوليته عندما تؤدي الجوقة أكثر من لحن (وهو ما يعرف بالتعددية الصوتية أي البوليفونية)، هذا ما نراه في الجوقة الكنسية التي تؤدي الأناشيد البيزنطية مثلاً، عندما يتصدر الجماعة رجل يوجهها بيديه أو أصبعه، وربما بعصا صغيرة هي ليست عصا قائد الفرقة الكلاسيكية المعروفة بل عصا يستعملها لتتبع الخط اللحني المكتوب في المخطوطات، وهو تدوين موسيقي بدائي يشير الى طبقة الصوت مثلاً.
استعمل قادة الفرق اليد في البداية، أو دقوا الأرض برجلهم لإعطاء الإيقاع المطلوب. استعملوا أحياناً ورقة ملفوفة أو عصا مثل الصولجان مثلما هو متعارف عليه في فرق موسيقى الجيش، وربما دقوا بطرفها الأرضية، مثلما فعل الموسيقار جان باتيست لولي (1632 – 1687) وكان ذلك سبب وفاته، فقد أصاب قدمه بهذه العصا الثقيلة عن طريق الخطأ وتلوث الجرح مما أدى الى تسمم الدم فالوفاة.
أما الفرق والتشكيلات الصغيرة المميزة لعصر الباروك وما قبله فقادها أحد أعضائها، قد يكون عازف الكمان الأول (ويسمى كونسرت ماستر أو مايسترو دي كابلاّ أي قائد الفرقة)، أو عازف الهاربسيكورد (تشمبالو) وهي الأداة التي تشبه البيانو ودورها في هذه الحالة إيقاعي أكثر مما هو لحني.
وقاد موتسارت وهايدن الفرق التي قدمت أعمالهم بيديهم دون استعمال عصا، وقاد لودفيغ (لويس) شبور (1784 – 1859) فرقته بواسطة ورقة ملفوفة في 1809 عندما قدم آخر أعمال هايدن، اوراتوريو الخليقة. لكن سريعاً ما أخذ حجم الفرق بالتوسع وتعقدت طبيعة الموسيقى مع بداية الفترة الرومانتيكية، كل هذا أدى الى ظهور موسيقيين متميزين بقدرات القيادة.
أول من استعمل عصا القيادة المعروفة اليوم هو فرانسوا انتوان آبنَك (1782 – 1849) في حفلة له في لندن سنة 1820، وهو عازف كمان وقائد فرقة فرنسي شهير امتدحه فاغنر، ومنذ ذلك الحين أخذ استعمال العصا بالانتشار، واستعمال العصا ليس ملزماً بالطبع، وهناك عدد من القادة لا يستعملون العصا إطلاقاً، إذ يعتقدون أن الأصابع وراحة اليد قادرة على إعطاء الموسيقيين إرشادات أدق وبدرجات مختلفة بشكل أفضل من العصا.
تصنع العصا من الخشب ولها نهاية مدببة قليلاً ونهايتها الثانية لها ما يشبه المقبض مصنوع من الفلين عادة أو من أنواع الخشب الثمين. وهي خفيفة الوزن عادة، ويصنع البعض منها اليوم من الألياف الزجاجية. وصناعة العصا ليست سهلة مثلما نتوقع: فالخشب الخاص المستعمل يجفف طبيعياً لعدد من السنين حتى تصبح نسبة الرطوبة فيه متوازنة مع الرطوبة في الهواء، ثم ينحت الخشب الخالي من العقد بطريقة خاصة تمنع ارتفاع حرارته بسبب الاحتكاك لأن ذلك يؤدي إلى اعوجاجه.