TOP

جريدة المدى > عام > ضيـاء الـعـزاوي: أجمع بين التشخيصية حينا والتجريدية حينا آخر

ضيـاء الـعـزاوي: أجمع بين التشخيصية حينا والتجريدية حينا آخر

نشر في: 20 يونيو, 2021: 10:03 م

يرى ان امام المرء حياة واحدة عليه ان يبرر حضوره فيها عبر مسعاه لترك بصمة فيها

اجرى الحوار : علاء المفرجي

ولد ضياء العزاوي أحد أبرز الرسامين العرب المعاصرين في بغداد عام 1939، وبدأ مسيرته الفنية في عام 1964،

بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة في بغداد واستكمال شهادة في علم الآثار من جامعة بغداد في عام 1962. في عام 1969 شكل ضياء العزاوي مع رافع الناصري، محمد محي الدين، إسماعيل فتاح الترك وهاشم السامرجي وصالح الجميعي مجموعة الرؤية الجديدة، المجموعة التي جمعت أعضاءها الفنانين أيديولوجياً وثقافياً بدلاً من الأسلوب. من خلال مشاركته مع مجموعة الرؤية الجديدة، وجد ضياء الإلهام في الموضوعات والقضايا المعاصرة، كما كان لفترة وجيزة عضوا في مجموعة شاكر حسن آل سعيد (مجموعة البعد الواحد).

عمل في الفترة ما بين عامي 1968 و1976 مديرا لدائرة الآثار العراقية ، ثم انتقل الى لندن عام 1976 وعمل مستشارًا فنيًا للمركز الثقافي العراقي في لندن.

برزت أعماله الفنية في ارقى المعرض والاماكن العامة في العالم، بما في ذلك متحف الفن الحديث في: بغداد ودمشق وتونس، ومطار جدة الدولي، والمتحف البريطاني وتايت مودرن ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، ومعهد العالم العربي، والمكتبة الوطنية الفرنسية ومؤسسة كولاس في باريس؛ ومجموعة كولبنكيان في برشلونة؛ ومكتبة الكونغرس والبنك الدولي في واشنطن، ومدن اخرى.

وضياء العزاوي، فنان تشكيلي ينتمي إلى الجيل الستيني في العراق، نال قدرًا كبيرًا من الأهمية الفنية، من خلال تقنياته في الرسم والنحت، وإنجاز المدونات التي تخص الشعر بصياغات جمالية تعبيرية، وأيضًا من خلال طروحاته المعرفية.

اقيم له اكثلر من ستين معرضا شخصيا وشارك بمئة معرض جماعي، وله عدد من الكتابات المؤلفات منها: "لون يجمع البصر: نصوص وحوارات في الفن التشكيلي"، و"فن الجرافيك العربي"، "الشعر: نص بصري"، "فن الملصقات في العراق: دراسة في بداياته وتطوّره"، "بيان: نحو رؤية جديدة" (1969)، "الفنان أمام التجربة في حدود اللوحة"، "الشعر والانسان: في الأساطير السومرية والبابلية"..

حاورته المدى للوقوف عند تجربته الابداعية التي امتدت لاكثر من نصف قرن.

 سؤال لابد منه، عن المرجعيات والمصادر في بداية نشأتك، والتي أسهمت في صياغة الميول التشكيلية لديك. ؟ حدثنا عن نشأتك؟

- لعل دخولي كلية الاداب وفرت لي فرصتان الأولى دراستي فرع الاثار وتعرفي على الفنان حافظ الدروبي الذي كان يشرف على مرسمي هذه الكلية وكلية العلوم. بالنسبة للآثار توفرت لي فرصة التعرف على الحضارات القديمة عن قرب ليس كتاريخ فقط، وانما كمتروكات حضارية تتحسسها باليد. ومع التاريخ إرتبطت الميثولوجيا الزاخرة بالنص الأدبي لتفتح نوافذ الشعر الغارق بالمعارف، المتنوعة هذا التنوع قادني فيما بعد الى الموروث الشعبي. كل ذلك لم يتشكل بالقراءة فقط وإنما بالعمل حيث أشرفت على عرض اللقى الأثرية في متحف الناصرية الجديد، وكذلك متحف الموصل الجديد، الى جانب متحف الاثنوغرافية والملابس الشعبية في بغداد، الذي وفر لي فرصة التعرف على الفن الشعبي عن قرب عبر تجوالي في العديد من المحافظات العراقية.

 يعد ضياء العزاوي واحدا من ابرز الأسماء بعد جيل الرواد.. واستطيع أن أقول أن منجز العزاوي رسم ملامح الرسم العراقي، باعتبار ان المؤسسين الاوائل (أعني الرواد) انشغلوا في منجزهم الاعلان عن ولادة فن تشكيلي عراقي بعد قدومهم من الدراسة في الخارج، وتاثرهم الواضح بالفن الاوربي.. ماتعليقك على ذلك؟

- لست الوحيد في ذلك، هناك مساهمة فردية لعدد آخر من الفنانين ضمن تنوع التجربة رسما، طباعة، ونحتاً، لعل تواجدي في الخارج منذ فترة طويلة وتحركي ضمن فعاليات الفن الدولية التي عززت مفهوم الفن العربي على حساب الجانب المحلي هو الذي يمنحني دورا أكثر ظهورا. كما ان ظاهرة إقامة المعارض الشخصية في بلدان عربية أخرى منحني وبعض من جيلي دوراً في تحدي الحضور المحلي مما هيأ الظروف للعديد من المبادرات الفنية مثل ( مهرجان الواسطي) الذي كان بمقترح من جمعية الفنانين العراقيين، عندما كنت فيها سكرتيرا، وإسماعيل فتاح رئيسا، والذي يعتبر الان تاريخيا اللبنة الأولى والاساسية في تعزيز مفهوم الفن العربي كفعالية مشتركة وتحد للضوابط المحلية التي كانت المؤسسة الرسمية تحرص على ابقائها.

 وكذلك أرى أن جماعة الرؤية الجديدة في العراق، والتي كنت أحد مؤسسيها عام 1969، لم يجمعها اسلوب واحد، بل كانت تشدهم رغبة في تغيير المشهد الفني، الذي شعروا أنه كان جامدا.. هل كان لذلك علاقة بالوضع السياسي المضطرب في تلك الفترة؟

- كنا مجموعة أصدقاء كلهم درسوا في الخارج وفي اقطار مختلفة، كنت الوحيد بينهم من اكمل دراسته الفنية في بغداد الى جانب دراستي للآثار، لم يجمعنا أسلوب عمل بمقدار ما كان هناك نوع من عدم القبول بالسائد فنيا، كان هناك قدر من الهدوء النسبي سياسيا بعد انقلاب ٦٣ وما صاحبه من اعتقالات في الأوساط الفنية والثقافية ، ومع هزيمة ٦٧ وصعود المقاومة الفلسطينية كقوة جديدة التي ضمت بعض المثقفين العراقيين مثل مؤيد الراوي ، إبراهيم زاير وغيرهم، كان علينا أن نؤكد صوتنا بعيدا عن الجماعات الأخرى، كانت مجلة الهدف صوت الجبهة الشعبية بوابة لرسوماتي عن المقاومة الفلسطينة مع حضور في مجلات لبنانية أخرى منها مواقف، هذا الحضور خلق نوع من الثقة بالنفس، عزز قناعتنا بضرورة إصدار البيان الذي تحدث بلهجة فيها الكثير من السياسة وإرتباطها بالمتغيرات الفنية والثفافية، كما استبطن البيان الدعوة لفن عربي، ومغادرة محلية فكرة فن عراقي كما طرحته جماعة بغداد. ولم تحافظ الجماعة على تماسكها وتحولت الى مجموعة يتبدل عدد المشاركين فيها.

 اعتمدت "التجريد" كأساس في اسلوبك الفني، لكنك بدأت بالواقعية، ثم تصوير الملاحم الدينية العراقية لتستقر أخيرا ب "التجريد" .. ولكن أثر البدايات كان واضحا في لوحاتك خلال مختلف الفترات مع رفدها بالتقنيات الاوروبية.. بما تفسر ذلك؟

- بدأت حالي حال الاخرين من جيلي، بالتأثر باعمال اساتذتنا ، جمعت في ذلك بين جواد سليم وفائق حسن وبمرور الزمن كان لابد لي من تشذيب لوحاتي من المؤثرات هذه، وسرعان ما صارت إستعاراتي الفنية من التاريخ الوطني والشعبي. الوحدة التي تجمع تجربتي بين التشخيصية حينا وبين التجريدية حينا اخر ولازال الحال حتى الان. هناك موضوعات لا يمكن إلا أن تتصدى لها عبر الأسلوب القادر على فك شفراتها الداخلية، لذلك لم أتوانى بالذهاب الى التشخيصية، عندما رسمت لوحة صبرا وشاتيلا وكذلك مجموعة الاعمال التي رسمتها منذ منتصف التسعينات وحتى اليوم تحت عنوان ( بلاد السواد). بفعل هذا التزاوج، ظلت هناك اشارت بعضها خفي لحاجتي العودة للموروث الرافديني بشكل خاص، لعلها هي الرابط الأكثر فعالية في ديمومة حضور البدايات التي اختبرت ولمرات عديدة على الصعيد الدولي.

 انت تعيش منذ اكثر من اربعين عاما في اوربا، لكن ذلك لم يؤثر على اسلوبك في استلهام مفردات الفلكلور، أعني انك تملك توجها فنيا يجمع الاهتمام بالتراث والدعوة للمعاصرة.. كيف تجمع ذلك؟

- كما ذكرت من قبل انا من جيل تصدى لموضوع الهوية منذ سنوات طويلة إلا انها ظلت حبيسة الإختبارات في المعارض المحلية، لكن ان ذلك تبدل بحكم عوامل عديدة منها المشهد العالمي الذي توفر لي، إلى جانب ذلك التحديات التي تواجهها الوحدات الفنية المحلية كأشكال زخرفية عند اختبارها كحضور فني معاصر، مما جعلني أكثر ميلا لإدامة تلك المؤثرات عبر مواد واشكال متنوعة مع انفتاح على المستجد مما يوفره لي السفر لبلدان مختلفة، مثلا عندما تعرفت على ظاهرة ( زهرة الصحراء) في احدي سفراتي الى قطر، تحولت هذه الظاهرة من حضورها المحلي إلى أفكار واشكال نحتية حديثة لا تخفي عائديتها، وبنفس الوقت انتماؤها كعينة فنية معاصرة مثيرة للانتباه.

 عملت كثيرا مع الحرف العربي وقمت بتطويره في اللوحة. وانت تقول "التعامل مع الحروفية كعنصر من عناصر اللوحة " .. في وقت نلاحظ فيه الان أن هذا الاستخدام للحرف قد انتهى الان؟

- كانت العلاقة مع الحرف العربي بسبب الهوية التي تلبسها جيلي بالكامل، وهو نتاج ما حاوله جواد سليم وشاكر حسن للدعوة لفن عراقي عبر بيان جماغة بغداد وان إختلف مصدر كل منها عن الاخر. في تجربتي حاولت ان إنحاز للرسم ومتطلباته من حيث تقنية السطح وعلاقته بمكونات اللوحة، ولذلك كان الحرف جزء من اللوحة حيث كنت أرسم الحرف وليس خطه كما يفعل الخطاط التقليدي، وأحاول الاستفادة من تجريدية الحرف وإنسياب بعض الحروف لكي تتناغم مع الاشكال التجريدية، كانت المهمة تجريبية على اكثر من مستوى لتحقيق الفصل بين اللوحة وبين السطح الكرافيكي المزين بالزخرفة خاصية العمل الخطي، هذه الجدية التي حاولها أكثر من فنان كانت على الضد من الظاهرة التي خلقت تصورا سهلا بعروبة اللوحة، بفعل وجود حرف فيها وقد سهل هذه الظاهرة وجود ميل عند العديد من جامعي اللوحات الى اقتناء مثل هذه الأعمال مما خلق وضعا تجاريا لا علاقة له بالابداع. وكان لتواجدي في الخارج واطلاعي على تجارب الفنانين الاخرين من الدول الإسلامية عاملا حاسما للتخلي عن هذه التجربة والذهاب الى تجارب تتميز ببعدها الفني ذات العلاقة بمراجع فنية مختلفة من الوروث الحضاري والشعبي العراقي والعربي ضمن موقف ان هذه المرجعيات هي ملك للإنسانية كما وجدناه في محاولا لفنانين بارزين مثل ميرو وجاكوميتي. وليس كما تعودنا عليه بالتعامل معه كونه إرثا عراقيا مثل ما يقول المثل ( ملك صرف).

 ضياء العزاوي رائدا في التعاطي مع المنجز الشعري فنيا، اعني بصيغة الرسم، وهو ما اعطى القصائد أهمية اكبر، كما في تجربة (المعلقات السبع) و (النشيد الجسدي) والشعراء محمود درويش, فاضل العزاوي , سعدي يوسف ,وأشعارمظفر النواب وآخرين، هل كنت تبحث عن وصول القصيدة الى مستوى الرؤية البصرية؟

- إهتمامي بالشعر جاء من تعرفي على الأسطورة الرافدينية وإطلاعي على كتاب مهم ترجمه طه باقر باسم ( الواح سومر)، ضم هذا الكتاب العديد من القصائد الأولى تاريخيا وقد حفزني هذا الكتاب الى التعرف على عينات من الشعر الجاهلي وشعراء التصوف. في الستينات اطلعت على تجربة دار النهار البيروتية التي بدأت بمشروع الكتاب المحدود العدد حيث يتجاور النص الادبي مع الرسوم، ونتيجة لذلك رسمت مجموعة من ٤٦ عملا لكتاب تحت عنوان (مقتل الحسين) فيها متابعة للنص الذي سمعته عن (المقتل)، ومنذ ذلك الوقت تطورت علاقتي بالشعر، حيث رسمت العديد من الدواوين الشعرية في بداية السبعينات منها للسياب، الجواهري وغيرهم، وبمناسبة مهرجان المربد الأول نشرت بطبعة محدود ملصقا شعريا هو الأول من نوعه لقصيدة يوسف الصائغ ( انتظريني عند تخوم البحر) الى جانب الفنان رافع الناصري لقصيدة لفاضل العزاوي، وهاشم سمرجي لقصيدة لبلند الحيدري. الا ان التحول الأساسي حدث عندما سافرت الى لندن حيث توفرت ظروف عمل مختلفة جدا سمحت لي لإنتاج مجموعة (المعلقات السبع) و(النشيد الجسدي) طباعيا، وسرعان ما أصبح هذا الاتجاه جزءا أساسيا من تجربتي على الصعيد الطباعي بنسخ محدودة أو انتاجها كنسخة واحدة. أتركها سنوات وأعود اليها سنوات أخرى وبفعل هذه الممارسة صار عندي مكتبة نادرة للعديد من الشعراء العرب الحديثين وبشكل خاص العراقيين منهم، اخذت الكتب ذات النسخة واحدة روح المخطوطات العربية القديمة الا انها بفعل الأسلوب والمادة واختلاف عدد صفحاتها او طريقة عرضها نقلت القصيدة من القراءة الى غناء بصري يرتبط باللون وبمجموع الرموز المستحدثة من القصيدة.

 نعود الى عملك الأهم ، لوحة "صبرا وشاتيلا" 1983، ، وهي لوحة زيتية ضخمة تعبر عن فظائع المذابح المرتكبة بحق الفلسطينيين وحجمها 3 × 7.5 متر، ما يجعلها واحدة من أهم الأعمال الفنية التي تصور التاريخ السياسي للعالم العربي. وكثيرًا ما ينظر إلى اللوحة كشبيهة لجدارية غورنيكا لبيكاسو في موضوعها.. ما الذي دفعك لرسم هذه اللوحة، حدثنا عن ظرف رسمها، وهل رسمت بسب انفعالك بالحدث مثلا؟

- كنت أتابع الاحداث عن قرب عبر الفضائيات الاوربية، بدأت بالرسم كرد فعل غاضب، لم أفكر قطعا بان ترسم على القماش وبألوان لها خاصية البقاء، ولم تكن الغورنيكا في بالي، كان عندي رولة ورق بعرض ١٢٠ سم وبطول ٣٠ متر، قطعت أول ثلاثة أمتار وبدأت بالرسم بألوان محدودة بين الأسود والقهوائي، تطورت اللوحة بدون أي تخطيط أولي لتنتهي بشكلها الحالي إذا أصبح من المتعذر عرضها لفترة طويلة وان عرضت فتكون تحت قوة ضوء خاص وذلك لان الورق قابل للضرر وكذلك الألوان التي أستعملت ليس من النوعية التي تحتمل البقاء طويلا، وبسبب ذلك منحت مؤسسة رمزي دللول في بيروت حق حياكتها كنسخة طبق الأصل في محترف اسباني له شهرة عالمية في مثل هذا الانتاج.

 قد درست الآثار وتبحرت بعالمها، هل كانت للآثار تأثير كبير على أعمالك، كفنان وكإنسان، وهل قادتك فيما بعد الى رموز أغنت قدراتك وهل أسهمت في توظيف هذه الأفكار في اعمالك.؟

- عندما التحقت بمعهد الفنون الجميلة القسم المسائي لدراسة الرسم كنت اجد نفسي في تناقض معرفي اقرب الى الكابوس، فأنا مهوس بالتاريخ الفني العراقي وبشكل خاص الموروث السومري صباحا، وفي المساء كان كل شيء في المعهد يعود للفن والتاريخ الأوربي. لعل تعرفي على تجربة جواد بشكل أساسي وما أستعاره من الفن السومري خلق عندي قناعة راسخة بإمكانية الجمع بين النقيضين، وان تطوير هذه العلاقة تتأتى من البعد التاريخي للإستعارة الفنية وإخضاعها الى الضرورات المعاصرة لعلاقة الشكل بسطح اللوحة، لقد منحتني اللقى الآثارية المتنوعة فرصة التفحص عن قرب لغنى الاشكال ورمزيتها خاصة فيما يعرف بالأختام الاسطوانية مما وفر لي موضوعات عديدة خاصة في الستينيات وبداية السبعينيات عبر رمز الأمومة وما يحيط بها من نصوص ذات بعد أسطوري إرتبط بالعديد من الملاحم، منها كانت ملحمة كلكامش التي عملت لها مجموعة كبيرة من الرسوم هي الان مطلوبة من متحف المتروبوليتان في نيويورك، لقد تحولت هذه الأسطورة من قصة ملك يفعل ما يشاء الى إنسان يخشى الموت باحثا بدون جدوى عن الخلود مما سهل هذا الفهم لها أن تتحول الى أكثر من سيمفونية أو اوبرا .

 قبل سنوات قليلة أقيم للمرة الأولى في مسيرتك المهنية، إحتفاء خاص بأعمالك من خلال عرض أهمها بشكل متزامن في المتحف العربي للفن الحديث، وغاليري متاحف قطر.. عرضت مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة وهناك تنوع في طريقة تقديمها، قسم منها على شكل دفاتر، أو معلقة، أو شكل مطوي، ويتم تقديمها كمادة خارج منطق الكتاب كأي عمل فني مستقل بذاته.. هل تحدثنا عن علاقتك بهذه الكتب تحديدا؟.

- ما تتحدث عنه كان جزء من مسيرتي الفنية، فهي أعمال بدأت في عام ١٩٦٨ ثم تطورت شكلا ومضمونا عبر السنوات المختلفة، قيمتها الفعلية في كليتها كمنتج فني، وكمسح معرفي للشعر العراقي والعربي، بعضها ارتبط بتاريخ الدمار العراقي منها مثلا ثلاثة دفاتر هي تسجيل يومي للقصف اليومي لبغداد وبعضها هي تماه مع الظرف التاريخ كما في كتاب الشابي وقصيدته الذائعة الصيت ( اذا الشعب يوما)، والبعض الاخر هي جزء من قراءتي الشعرية. إن إشكاليات هذه الاعمال هو في اتساع كل كتاب على فضاء من النص المتداخل مع ما يحيط به من أشكال وعلاقات رمزية متداخلة من أجل الإطلاع عليها، عليك تصفح ٥٠ صفحة أو أقل لكي تتكون عندك غنى التجربة وحيويتها.

 اطلقت مجلة "ماكو" في بداية أزمة كوفيد19 وما فرضته على العالم من طوق العزلة الافتراضية .. وصرحت مرة انها " لتوثيق التجربة التشكيلية العراقية" برأيك هل إستوفت شرط إصدارها بالتوثيق على الأقل قي الأعداد التي صدرت؟ ... وما قصة "ماكو" ولماذا هذا الاسم لمجلة تعنى بالفن التشكيلي..؟

- جاءت هذه المجلة نتيجة عزلة شهرين، كان تواصلي مع بعض الفنانين الشباب عبر برنامج الزوم، كنتيجة لأحاديث متنوعة صار الاتفاق على توثيق هذه العزلة ومنها بدأت فكرة المجلة، إلا أنني سرعان ما عاد لي أهمية توثيق التجربة الفنية، وعلى الأقل ضمن ممن لي علاقة قريبة بهم. هناك إشكالية أساسية في الفن العراقي هو غياب التوثيق بشكل عام، اذا لم نعرف تاريخيا ان المتحف الوطني كان معنيا بذلك، لعل أول إشارة بهذا الاتجاه هو محاولة الفنان شاكر حسن بتأسيسه مركز التوثيق والذي تم تدميره ونهبه من قبل الرعاع عام ٢٠٠٣. وحسب معرففتي الشخصية كان الفنان نوري الراوي موثقا جيدا ضمن ظروف عمله في متحف كولبنكيان. خارج ذلك هناك قلة من الفنانين ممن اهتم بتوثيق تجربته بشكل أساسي. ما طرح من اعداد السنة الأولى كان فيها من التوثيق مما لم يعرف به سابقا في اية مطبوع عراقي وقد شجعت هذه الاعداد العديد من الأشخاص للتعاون من أجل توفير المواد المطلوبة للأسماء التي يعلن عنها في كل عدد، هناك العديد من المجلات المعنية بالفن التشكيلي وفي غالبها يرتبط الاسم بطبيعة العمل الفني، لذا فكرت بإسم يتعارض مع طبيعة المجلة وان يكون إسما عراقيا خالصا، (ماكو) كلمة يرددها العراقيون كثيرا بين الرفض والقبول، هناك جانب يعكس السخرية من السؤال، وبنفس الوقت القناعة به كما أن مرجعيتة السومرية لغويا تجعلني أكثر قناعة بجدوى التعارض بين الاسم وبين ما يعنى به.

 سؤال اخير إن سمحت.. ما الذي تشعر به وأنت ترى أعمالك تزين جدران عدد من المطارات ، والأماكن الفنية في العالم.. فاذا كان يشعرني أنا شخصيا بالزهو، فما بالك بشخصك؟

- هذه الاعمال وتنوع تواجدها تبرير فني واخلاقي لمغادرتي العراق، أنه برهان على جدوى المغامرة ضمن قناعة منذ سفري في منتصف السبعينيات، أن أمام المرء حياة واحدة عليه ان يبرر حضوره فيها عبرمسعاه لترك بصمة فيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram