علاء المفرجي
- 2 -
يجمع المعنيون بالشأن السينمائي العراقي على أهمية المهرجانات، على مستوى «خلق وعي وذائقة سينمائيِّيَن، إلاّ أن هؤلاء (وغيرهم) يرون في كثرتها، مع انعدام التخطيط العلمي لها، عائقًا في الحصول على نتائج مرجوّة»
فالسينما تحتاج – كما يرون- الى مساحة نقاش أوسع من إيجاز الفكرة بعدد محدود من الكلمات، لخصوصية المهرجانات السينمائية وصعوبة تحقيق تميّز فيها من دون اكتمال شروط إقامتها، بتوفّر عوامل كثيرة، منها وجود مناخ ليبرالي، يسمح بالتعبير عن الأفكار والمواقف بحرية، تبعد بدورها الاشتراطات السياسية، وكلّ أنواع المحرّمات. كما تحتاج إلى توفر بُنية تحتية، تسمح بتحويل الأفكار والمقاربات المهنية إلى فعل على الأرض، من دونها لا يمكن إقامة مهرجان سينمائي حقيقي، بمعناه المتعارف عليه دوليًا.
ويجب ان تتوفر بُنى تحتية تسمح بتحويل الأفكار والمقاربات المهنية إلى فعل ميداني عملي، من دونها لا يمكن إقامة مهرجان سينمائي حقيقي، بمعناه المتعارف عليه دوليًا. لكن ما يجري فعليًا متمثّل بإقامة مهرجانات محلية، محدوديتها لا تلغي مساهماتها المهمة في نشر ثقافة المشاهدة السينمائية، بعد غياب طويل، متوقّفًا عند أجيالٍ من العراقيين يعرفون السينما من خلال التلفزيون. وكثرة المهرجانات نسبية، وهو تعتمد على مساحة انتشار الثقافة السينمائية في كلّ بلد، وعلى حجم إنتاجه من الأفلام سنويًا. الاستثناء البارز هنا منعكس في دول الخليج، التي أثار نجاح بعض مهرجاناتها سؤالاً إشكاليًا حول العلاقة بين المُنتج السينمائي وإقامة المهرجان في مكان لا مساهمة كبيرة له في تلك الصناعة؛ بينما تلعب عوامل أخرى ـ ليست محلية بالضرورة ـ في كثرة عددها. والمغرب مثل جيد، إذ يُنظَّم فيه، كل عام، أكثر من 50 مهرجانا سينمائيا، جزء من ميزانيات معظمها مدعومٌ من جهات غربية. لكن، هل أثّرت (هذه الكثرة) في نهوض الفن السينمائي؟ الجواب من دون شكّ: نعم، أثّرت. في الحالة العراقية، أثّرت الكثرة أيضًا. فلا ضير من التوسع والإكثار، «شرط ألاّ يكون هذا شكليًا، أو لأغراض خارجة عن هموم الفن السابع وهواجسه، وهو فن شديد الخصوصية، وقابلٌ للأسف ـ بسبب طبيعته التجارية/ الإبداعية ـ لاستغلال العنصر الأول على حساب الثاني.
في المقابل، لا يميل البعض الآخر من المهتمين بالسينما إلى تسميتها «مهرجانات»، فهي بالنسبة إليه أقرب إلى جلسات أو ملتقيات منظّمة، تعرض أفلامًا وتناقشها. والعروض مقتصرة على جمهور محدود، «لكنها ستكرس في النهاية أصول ثقافة سينمائية في البلد، المهرجانات لا تملك إمكانات لتوفير الدعم لصناع الأفلام الواعدين، ولا هي قادرة على المتابعة السينمائية طوال العام، كما كانت تفعل مهرجانات خليجية، كمقياس للمهرجانات السينمائية في المنطقة. فدورها «يرتقي إلى خلق نهضة سينمائية»، وأنّ تأثيرها محدود في مجتمع محدود، لكنه ضروري إلى حد ما. فتأثيرها لن يتفوّق على ما تقدّمه الجامعات المتخصّصة بتدريس السينما من الناحية الأكاديمية، وبالتالي، لا هذه المهرجانات ولا الجامعات ولا أي من مؤسّسات الدولة قادرة حقًا على النهوض بقطاع السينما كما ينبغي.
والبديل عن وضعٍ كهذا، فيُحدِّده يحدده المهتمون بالشأن السينمائي الى عوامل النهوض بالمهرجانات، والواقع السينمائي عامة، والتي تكمن في توفير قاعدة اقتصادية وأمنية تشجّع على وجود شركات تستثمر بالسينما عبر ثنائية الإنتاج والتسويق، إنْ تكن الشركات محلية أو الاستثمارات أجنبية”. وهذه الشركات وحدها ستجعل للسينما أصولاً وقيمًا لم يعرفها البلد سابقًا، نظرًا إلى تفرّد الدولة ـ فترة طويلة ـ بعملية الإنتاج السينمائي، وحصرها في ماكينتها الدعائية، وتجريد الموظفين القائمين عليها من أي مخيلة للتطوير والإبداع.