TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: كراسي للبيع

العمود الثامن: كراسي للبيع

نشر في: 21 فبراير, 2023: 10:50 م

 علي حسين

تبدو أخبار من عينة أن الوزير الفلاني اشترى كرسي الوزارة برقم معين من ملايين الدولارات، وأن نائباً تمكن من بيع منصب مدير عام بمبلع نصف مليون دولار، وأن كرسي ضابط الحدود يباع بعدد من الشدات، وأتمنى أن لا يذهب بك الخيال وتعتقد أن الجلوس على كرسي مسؤول كبير أمر يتعلق بالكفاءة والنزاهة ، امرا طبيعيا في بلاد ما بين النهرين .

قبل سنوات اطلعت على كتاب طريف بعنوان "ألف كرسي" مؤلفته شارلوت فيل، تخبرنا فيه أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه، وتضيف أن الإنسان عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم، لكنه ربما لا يختار المريح.. وتذكر المؤلفة أن الآشوريين هم أول من صنعوا الكرسي وأن الصينيين طوروه، وأن الأميركيين اخترعوا النوع الهزاز والذي استبدلوه الآن بالمستر ترامب الذي يهتز عندما يسمع كلمة صحافة.

ولأننا قوم الكراسي فإن مسؤوليناعمرهم أطول من أعمار كراسيهم، لا تستطيع قوة أن تزحزحهم عن كرسي السلطة، لا يهتز لهم جفن فهم يدركون جيداً أن شعوبهم خانعة، خائفة، لا تملك إلا الصمت ولا يصلح لقيادتها إلا حاكم يعشق كرسيه، حكام أبطال في اذلال الشعوب، قادرون على أن يقرروا بأنفسهم كل شيء، طالما قلوبهم تنبض.. ليست مهمة أبداً أعداد الفقراء ولا قوائم الأرامل واليتامى، ولا تزييف إرادة الناس، فالحاكم يظل مبتسماً على الرغم من انتشار الأمراض كالفساد والخراب والقتل على الهوية، لأنه ينعم وحاشيته بخيرات "الكرسي"، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.

نقلب في الأخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى أن نجد أحد مسؤولينا يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والتي تشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أعلنت النتائج التي تظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده.. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي: ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد "اعتباراً من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة" كان ديغول الذي شعر بالأسى قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين.. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى.. ومع ذلك استجاب لنسبة الـ2% ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي.

زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تحدث أكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم.اما في هذه البلاد فالانجاز الأهم " كراسي للبيع "

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram