علي حسين
وجدتني وأنا أسمع بخبر وفاة الإعلامية الكبيرة إبتسام عبد الله أردد بيت الشعر الذي كتبه الشاعر المصري أمل دنقل:
كل الأحبة يرتحلون
فترحل شيئاً فشيئاً من العين ألفة هذا الوطن.
نعم، كانت إبتسام عبد الله جزءاً من ألفة هذا الوطن التي تذكرنا بالأساتذة الكبار الذين رحلوا عنا، وخلفوا لنا الذكريات، وتعلمنا من خلالهم أن الوطن مجموعة أحلام ورؤى، وتاريخ يتطلع إلى المستقبل، وكانت إبتسام عبد الله بابتسامتها الهادئة واحدة من الذين ساهموا في صناعة وعينا، وظلت تبحث عن آفاق المستقبل. لكنها سترحل وحيدة، حزينة، تاركة أحلامها ومشاريعها المؤجلة، مخلفة لمحبيها وحشة الفراق، ولوعة الحزن.
أعادني خبر رحيل إبتسام عبد الله إلى رواياتها وقصصها القصيرة، وسحر الكتابة، ورغم أن إبتسام عبد الله شحيحة في قصصها القصيرة، فهي لم تنشر خلال تاريخها الأدبي سوى مجموعتين قصصيتين نكتشف فيهما قدرة فريدة على القص، عالم حكائي ممتع، يستمد من الواقع قوته. وإبتسام عبد الله القاصة والإعلامية والمترجمة القديرة طراز فريد من المبدعين الذين تتعدد مواهبهم وتتنوع اهتماماتهم، بدأت بنشر أول أعمالها الأدبية منتصف الثمانينيات، ثم تتابعت أعمالها لتشمل الرواية والقصة القصيرة والترجمة، والاهتمام بالسينما والفن التشكيلي والموسيقى، ولا شك في أن التعدد في أنشطة إبتسام عبد الله هو أول ما يلفت انتباه المتابعين لها، فإلى جانب التوقد في الإبداع القصصي والممارسة البارعة في مجال الترجمة، هناك التحرك المبدع الذي تنقلنا معها فيه من مجال إلى مجال، من نقد فني إلى ترجمة تحفة أدبية، ومن الشغف بتاريخ الفنون إلى الشغف بالحكايات، إنه التعدد الذي يبدو صاحبه نهماً في التعرف على كل مجالات الإبداع الإنساني وتقديمها، فإبتسام عبد الله تسعى من خلال كل هذه المجالات إلى امتلاك مفاتيح الكتابة وأدواتها وأساليبها والتعريف بها، وهو التعدد الذي يميز النماذج الفريدة من مبدعات العراق، اللواتي جمعن إلى الكتابة الوعي بهموم المجتمع، والتعرف على أسرار الإبداع .
في معظم أعمال إبتسام عبد الله الإبداعية، نجد أن تناول قضايا المرأة والوطن وهما المدخل إلى أفق الإبداع القصصي عند إبتسام عبد الله، حيث يستوقفنا فيها جمال الموقف الإنساني وعذوبته، وقدرة الكاتبة على التعبير الدقيق الخالي من الحشو والزوائد، حيث يعيش القارئ مع سحر الكتابة ولذتها .
كانت إبتسام عبد الله نموذجاً لكاتبة متميزة، ومقدمة برامج ظلت تثير اعجاب المشاهد رغم غيابها عن الشاشة منذ سنوات طويلة ، كاتبة تملك حيوية الأفكار التي تطرحها، لبتقدم لنا انموذجا لامرأة استطاعت أن تؤكد حضورها المتميز في المشهد الثقافي العراقي، وبعد هذا وقبله هي نموذج لإنسانة كانت ابتسامتهاالجميلة تملأ المكان الذي تشغله.