علي حسين
طغى الكتاب المصري على كل الكتب العربية طوال عقود، وبالنسبة إلى صاحب العمود الثامن، الذي بضاعته معارضة كل شيء لأنه يصدع رؤوس القراء الأعزاء بالحديث عن الكتب، ولا يرى محاسن البرلمان ولا يفقه بخطة مثنى السامرائي لتطوير الاقتصاد، وأحاول أن أشوش على المنجزات الكبيرة التي يقوم بها البرلمان العراقي، وكان آخرها الإصرار على قانون للانتخابات يتيح لعالية نصيف الجلوس على كرسي البرلمان حتى عام 2050 .
أيام الشباب كانت بعض المؤلفات المصرية أشبه بالسحر، أما مؤلفيها فكانوا نوعاً آخر من السحرة ، لم أحلم أو أفكر بأنني ذات يوم سأكتب عن طه حسين، وأستشهد بتوفيق الحكيم، وأستمد طراوة العبارة من أسلوب العقاد، هؤلاء كانوا كائنات من الخيال بالنسبة لي، وكان هناك أيضا عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية الأرض ومسرحية الفتى مهران، وملحمة الحسين ثائرا وشهيداً، والكتاب الوثيقة علي إمام المتقين .
عن صاحب الشوارع الخلفية، قرأت كتاباً صغير الحجم بعنوان "أولياء الكتابة الصالحون" يروي مؤلفه محمد توفيق كيف قرأ هؤلاء الكبار، نقرأ عن عبد الرحمن الشرقاوي ومعركته الصحفية حول كتاب علي إمام المتقين.
يقول الشرقاوي: "كنت أنشر فصول الكتاب في جريدة الأهرام وعندما وصلت إلى موقف علي وأبي ذر من المال، كتب الصديق ثروت أباظة معلناً خلافه معي حول هذا الموقف من المال وزعم أنه موقف الشيوعية لا موقف الإسلام فرددت عليه ولكن الصديق ثروت لم يكد يعلن رأيه حتى انفجرت ضدي ثورة ظالمة. حين أثرت الحديث عن الموقف من الثروة وكيف أن الإمام لم يجد في الخلافة حقاً استثنائيا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة ونزل مستأجراً في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة".
تذكرت نوابنا وأنا أقرأ فصول هذه المعركة الأدبية، وتمنيت لو أنهم وقفوا وقفة حقيقية أمام سيرة الإمام علي "ع" وتعلموا منها، لكن للأسف فقد ابتلينا بمسؤولين يتحدثون باسم الدين ويسرقون باسم الدين، يصدعون رؤوسنا ليل نهار بخطب عن الحق والعدالة والمظلومية في عبارات فقدت معناها من سوء استخدامها.
تخيل جنابك أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية تخبرنا بأن ما يقارب تسعة ملايين مواطن، تحت مستوى خط الفقر في العراق، في الوقت الذي تخصص الدولة فيه مليارات الدنانير للوقف السني لدعم ما يسمى بالمصالحة المجتمعية.
عندما تشاهد على شاشات التلفزيون، ما فعلته الديمقراطية العراقية الجديدة، في العاصمة التي تحولت إلى خرائب من خرائب القرون الوسطى، ماذا يخطر ببالك؟ لا أدري، أما أنا فيخطر لي أن أرفع برقية إعجاب وتقدير لهذه النفوس التي لا تريد أن يغادرها الحنين إلى "لفلفة" المال العام.