TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الفخامات تدير ظهرها للقشطيني

العمود الثامن: الفخامات تدير ظهرها للقشطيني

نشر في: 7 يونيو, 2023: 10:41 م

 علي حسين

عندما سقطت حكومة ياسين الهاشمي وحلت محلها حكومة حكمت سليمان سنة 1936، سعت الحكومة الجديدة إلى الاقتصاد في النفقات فشكلت لجنة تنسيق الجهاز الحكومي. لاحظت هذه اللجنة أن السيد حسين الرحال، الموظف في مديرية الدعاية العامة، لا يحضر إلى مكتبه إلا لماماً.

فقررت فصله عن الوظيفة رغم كل ثقافته الواسعة وإتقانه سبع لغات أجنبية. اعتكف حسين الرحال في بيته مستاء مما حصل. ولكنه ما فتئ حتى سمع بعد أيام قليلة طرقاً على الباب. فتح الباب، وإذا به يجد رئيس الحكومة، حكمت سليمان أمامه. التمس منه هذا أن يسمح له بالدخول. فدخل. استغرب من الأمر، رئيس الوزراء يأتي لزيارة موظف صغير، لا بل ويعتذر لهذا الموظف الصغير عن طرده من الوظيفة.

هذه الحكاية افنتح بها العمود الثامن لهذا اليوم ، وهي فقرة من مقال كتبه الراحل خالد القشطيني نشره في مثل هذه الأيام من عام 2020، ولم يكن يدري أن هذه البلاد نفسها التي قال فيها الوزير مصطفى العمري إن: "المثقفين والدارسين الذين يؤدون أعمالهم وواجباتهم لوطنهم بطريقتهم الخاصة! ولا نملك منهم غير عدد قليل لا نريد أن نفرط فيهم".. هذه البلاد استكثرت أن يكتب أصحاب الفخامة والمعالي في صفحاتهم الشخصية نعياً عن كاتب وصفته الصحافة العربية بـ"برنادشو العرب".

يأخذنا خالد القشطيني في مقالاته وكتبه للغوص معه في مرحلة مهمة من تاريخنا السياسي والثقافي، بدأت في الكرخ "كرادة مريم"عام 1929، ومرت بمحطات كان فيها مصرّاً على أن يستبدل دراسة القانون، بالاقتصاد الذي عشقه ووجد فيه سبيلاً لتحقيق حلم العدالة الاجتماعية، يدرس الرسم ويكتب مسرحيات ساخرة، وتسحره قدرة غائب طعمة فرمان على كتابة الرواية الاجتماعية .

مع خالد القشطيني نحن أمام شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مضطرا، ويخفي خشيته بمقالات وكتابات وروايات تذوب عشقاً بالعراق، ويتأسى على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً.

كان القشطيني مغرماً بما يقدمه للقراء، سواء في مجال المقالة، أو الرواية أو المسرحية، ظل طوال سني حياته يعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة من على شاشات الفضائيات..

رحل خالد القشطيني بعد ان وزع سخرياته على الجميع، لكنه بالمقابل كان يكدس لتاريخ الثقافة العراقية ثروات ثقافية وانسانية اكثر قيمة من كل نشاطات نقابة الصحفيين التي اعتقد مُلاكها ان القشطيني كاتب من جنوب الصومال .ولم يتبق لنا سوى ان نردد مع الجواهري نقيب الصحافة الحقيقية :

وكيف يُسمع صوت الحق في بلد

للإفك والزور فيه ألف مزمار؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalid muften

    عار على وطني أن يدفن الأدباء في المنافي وخارج حدود الوطن ويتنعم اللصوص في خيرات بلادي .

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram