علي حسين
منذ أشهر تتردد في أروقة البرلمان العراقي أحاديث وأخبار عن الخير الذي سينعم به العراقيون بعد إقرار الموازنة التي لا تزال تراوح في مكانها بسبب أمزجة السياسيين، ولأننا بلاد تعيش على بحر من النفط والثروات، فإن معارك الساسة همها الأول الحصول على أكبر قدر من المكاسب والغنائم. وفي بلد يتباهى ساسته بتراثه تجد أن الثقافة خارج حسابات الموازنة، فما حاجة المواطن إلى الثقافة والفضائيات تحاصره كل يوم بخطب وشعارات ثورية؟.
جميع مسؤولينا، ، ينظرون إلى الثقافة، باعتبارها كماليات زائدة. أنت مواطن مثقف ما دمت تذهب إلى صناديق الاقتراع تنتخب جماعتك، وتمنحهم صوتك، وأنت مغمض العينين. قبل أيام توّج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) الشاب العراقي زين العابدين المرشدي بجائزة القارئ العام، وفاز الكاتب العراقي علي جعفر العلاق بجائزة الشيخ زايد وتوجت مصر الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي بأرفع جوائزها "جائزة النيل". هذه الأخبار مرت مرور الكرام في دوائر أصحاب القرار فلا صوت يعلو على صوت الموازنة، فقد تعودنا في هذه البلاد أن تتحول الثروات إلى أدوات سياسية لقهر الناس، عشنا في هذه البلاد لسنوات طويلة تحت حصار شعاره "النفط مقابل الغذاء" وتوهمنا أن العهد الجديد سيجعل النفط مقابل الرفاهية والعدالة الاجتماعية والتنمية، فإذا بهم يرفعون شعار " النفط مقابل الولاء " .
أيها القارئ العزيز، عذراً لأنني أعود من جديد إلى احاديث الثقافة، فكلما عجزت تعابيري في وصف حال هذا الشعب المغلوب على أمره أعود إلى تجارب الحكومات التي تسعى لنشر المعرفة في بلدانها. في المملكة العربية السعودية تسير النهضة الاقتصادية جنباً إلى جنب النهضة الثقافية، ولهذا قررت أرامكو عملاق انتاج النفط في العالم تأسيس مركز إثراء وأن يكون موقعه بالقرب من أول بئر تم اكتشافه في السعودية بمدينة الظهران.. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ في بلاد الرافدين ماذا بنينا قرب أول بئر نفط عراقي تم اكتشافه في مدينة كركوك، إسمح لي أن أحيلك إلى بيان مفوضية حقوق الإنسان في كركوك، والذي أعلنت فيه وصول نسب الفقر في المحافظة إلى 30% .
هل تريد أن تعرف حجم ميزانية وزارة الثقافة التي وضعتها الحكومة السعودية؟، إنها بعشرات الملايين من الدولارات تنفق على مشاريع ثقافية ضخمة ومعارض كتب تقام في معظم المدن ومهرجانات سينما وفنون ومئات الإصدارات الحديثة في شتى فروع المعرفة وكلما انتعشت واردات النفط كلما زاد الصرف على الثقافة والفنون ومعهما التعليم.في الوقت الذي تغيب الثقافة من بيانات الموازنة العراقية .
بالامس وقف الشاب العراقي زين العابدين المرشدي على مسرح إثراء ليعلن للعالم ان بامكان العراقي ان يستبدل ركام الخطب السياسية، بعالم من الكتب تحت شعار: أنا أقرأ.. إذن أنا عراقي.