علي حسين
غالبية أحزاب السلطة والجاه في العراق تحلم بأن تستيقظ ذات يوم، لتجد أن المنادين بالدولة المدنية ومن جاورهم قد تبخروا من الوجود، وأصبحوا نسياً منسيا.
في كل يوم تزيد حماستهم في النيل من القوى المدنية، إلى درجة أن أحدهم خرج علينا يوماً ليقول بالحرف الواحد "لقد سحقنا التيار العلماني وسيظل تابعاً للتيار الديني إلى أمد بعيد" وكان صاحب هذه المقولة يشغل أعلى منصب في السلطة التشريعية وأعني به رئيس مجلس النواب الاسبق محمود المشهداني الذي استيقظ ذات يوم ليعلن إقامة ولايته "القندهارية".
وظل نواب ومسؤولون يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكراً انهزامياً، ولا تزال كلمات السيد نوري المالكي التي قال فيها إن حزبه استطاع أن "يدحر الملحدين والعلمانيين وسيهزم الحداثويين وينتصر عليهم"، ماثلة في الذاكرة.
صار الحديث عن "العلمانية ومعها المدنية" نغمة يستخدمها البعض ليثبت أنه يفهم في السياسة، فتجدهم وهم يشاركون في دراما السلطة ومنافعها يصوبون مدافعهم باتجاه الحياة المدنية في العراق. وكانت من قذائف هذه المدفعية تلك التي يطلقها البعض عندما ينتقدون مظاهر فنية في بعض مدن العراق معتبرين بعض الفعاليات الفنية لا تنتمي إلى تقاليد الشعب العراقي.
يكتب نصر حامد أبو زيد في نقده للخطاب الديني السائد، عن الخلط الستراتيجي المتعمد في المفاهيم، حيث يحاول المحافظون والإسلامويون تضليل البسطاء بأن العلمانية تعني فصل العقيدة عن الحياة والمجتمع، وبذلك يصورون للرأي العام المتأثر بالخطاب الديني السائد أن العلمانية، مطابقة للإلحاد، ويطرح أبو زيد مفهوماً للعلمانية ليس ضد الدين، وإنما ضد هيمنة الدين على كل المجالات، والمقصود هنا بالتحديد تقليص السلطة السياسية لرجال الدين. فنحن لا نطالب بعلمنة قانون الدولة ولا نريد إبعاد الدين عن الحياة العامة، ولكننا نريد تحرير الخطاب الديني من قبضة المؤسسات والآيديولوجيات السياسية، وبذلك نؤسس لخطاب حر بعيد عن الاستغلال.
وللمفكر الراحل علي الوردي مفهوم مماثل للعلمانية يعرّي رأي بعض الإسلامويين في التعارض بين القانون الإلهي والقانون الوضعي كظاهرة آيديولوجية بديلة. فالذين يدّعون الحق الإلهي لأنفسهم ولمواقفهم سيظلون بشراً معرّضين للخطأ، بيد أنهم لا يجهرون بعدم عصمتهم عن الخطأ ولا يخضعون برامجهم السياسية للنقد الديمقراطي، وفي ذلك يرى الوردي أن النظام العلماني يمنع تأليه الحاكم أو جعله كائناً معصوماً من الخطأ.
أقرأ أحياناً بعض تصريحات أو تغريدات لنواب أو ساسة وأشعر بالحسرة على الأيام التي يقضيها المواطن العراقي معهم، ونرفع أيدينا إلى الله داعين: اللهم ارزقنا بمسؤولين لا نختلف معهم على درجة تقواهم وإيمانهم، بل على درجة تمسكهم بخدمة الناس واحترام القانون وحماية أموال الشعب!