TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: مجالس المحافظين على كراسيهم

العمود الثامن: مجالس المحافظين على كراسيهم

نشر في: 20 يونيو, 2023: 11:12 م

 علي حسين

أكثر الأشياء استخداماً في العراق عند السادة المسؤولين والتابعين والموالين لهم هي المصطلحات، والتي من كثرة ترديدها تحولت إلى عبارات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ومن هذه المصطلحات "دولة القانون" التي تقابلها يومياً ممارسات لا تمت إلى القانون بصلة وإجراءات تبعد الشعب عن جنة رضا السادة أصحاب المال والسلطة.

لدينا أيضا "النزاهة" التي تحولت في مضمونها إلى مجموعة حكايات عن فتى اسمه نور زهير استطاع أن يحول مئات المليارات إلى حسابه دون أن يرف للنزاهة جفن، ثم مصطلح "الحكومات المحلية" الذي تحول إلى كابوس يطارد العراقيين في الشارع ومكان العمل والبيت ومعناه طبعاً أن هذه الحكومات حرة في التصرف بمقدرات الناس وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم. وأخيراً ساد مصطلح "الشفافية" فلا يكاد يظهر مسؤول حتى تقفز مفردة الشفافية من بين شفاهه الكريمة، والشفافية في عرفهم، التستر على سرقة المال، وتعيين الأقارب والأصحاب، وتحويل مؤسسات الدولة إلى مقاطعات عائلية، ولأننا نعيش مع أفراح عودة مجالس المحافظات التي يجلس أعضاؤها على الكراسي ولا أحد يسأل إذا ما كان سيعمل لصالح المحافظة أم لصالح الحزب والأحباب. وعندما يتفتق ذهن الساسة لاختيار المرشحين لمجالس المحافظات، لا يفكرون في أبسط المقومات التي يجب توافرها فيهم. فمثلاً هل يتأكدون من أن عضو مجلس المحافظة له خبرة في مجال العمل المحلي أم لا؟ هل رئيس مجلس المحافظة قريب من الناس في أحيائهم الفقيرة ويقوم بحل مشاكلهم، أم يجلس وراء مكتبه ويتصرف مثلما يتصرف ولاة القرون الوسطى؟ للأسف أثبتت تجربة مجالس المحافظات عن أخطاء في الاختيار، حيث تمت وفقاً لتقديرات ومعايير بعيدة كل البعد عن أحوال الناس ومتطلباتهم.. وأصبح الأمر وكأن الاختيار لعضوية المجلس عبارة عن شهادة تقدير له على خدماته التي قدمها لكتلته السياسية. ليس المهم أن يعرف هموم الناس ومشاكلهم وماذا تحتاج المحافظة، المهم أنه يعمل ما تريده منه كتلته السياسية حتى لو كان على حساب المواطنين، والفشل نقرأه يومياً في عيون الناس وفي غياب الخدمات والفساد المالي والإداري والصفقات التي تعقد في الخفاء والمشاريع التي تتبخر أموالها في الهواء. في الدول صاحبة التجربة الديمقراطية الحقيقية يتم اختيار مجالس المحافظات وفق شروط مهنية واعتبارات تتعلق بنزاهة المتقدمين لهذه المجالس ومعرفتهم الدقيقة لشؤون المحافظة، أما عندنا فأن كل عضو مجلس محافظة يجلس على كرسيه الوثير وهو يعلم أن أمامه أربع سنوات لا يمكن لأحد فيها إقصاؤه أو محاسبته، بل يمكن أن تتجدد له إذا حصل على رضا أولي الأمر، كل ذلك يجعل من هؤلاء مجرد موظفين لأحزابهم السياسية لا يهتمون إلا بتنفيذ أجندات معينة، وجني المكاسب والاستعداد لشراء الذمم للحصول على أربع سنوات أخرى، لذلك فقد تحولت مجالس المحافظات التي يرأسها مسؤولون حكوميون إلى مجالس لـ"المحافظين على كراسيهم" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عدي باش

    هل ترك الحبل على الغارب للمنظومة السلطوية الفاسدة لتحقيق أجندتها .. هو الحل ؟!

  2. محمود القبطان

    لكن ماذا لو اتى جمع من النزيهين والكفوئين لمجالس المحافظات؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram