علي حسين
في كل يوم يملأ السياسيون حياتنا بالأهازيج والبيانات الكاذبة، وفي خطابات مكررة يحاولون أن يحولوا الأنظار عن المآسي التي ترتكب بحق هذا الشعب المطلوب منه أن يذهب كل أربع سنوات "صاغراً" لانتخاب من يمثله طائفياً، لا وطنياً. وان يعيش طوال عمره يتغنى بمنجزات المسؤولين .
وبكل صلافة يتحول الكثير منهم إلى محللين في الاقتصاد وخبراء في شؤون الطاقة الذرية، وأحياناً فقهاء في ضرورة تعنيف المرأة..وفي مرات كثيرة يحاولون أن ينافسوا السيد هنري كسينجر على كرسي السياسة ، ولهذا تبدو مسألة مثيرة للاهتمام عندما يخرج نائب على إحدى الفضائيات يقول بكل صدق إن الخراب لا يتعلق بسنوات مصطفى الكاظمي كما تصر الفضائيات هذه الأيام، وعندما يخبرنا النائب علي تركي بأن على البرلمان أن يفتح ملف الحكومات السابقة منذ حكومة اياد علاوي ومرورا بالجعفري والمالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي، هذه الحكومات التي عشنا معها "أجمل الأيام" يُتهم هذا النائب بالخيانة. ولهذا مطلوب منا ان نصدّق بيانات السياسيين التي يخبرنا أصحابها بأنهم تعرضوا إلى مؤامرة إمبريالية حرمتنا من إقامة المشاريع العملاقة وجعلتنا نفرط بعبقرية بحجم محمود المشهداني، وأدرنا ظهرنا لمشاريع حسن السنيد التنموية، وصدقنا أن أيهم السامرائي "خمط" مليار دولار.
يفقد البعض في لحظات النشوة الخطابية الصلة بالواقع، ونراه يحاول جاهداً أن يمنع الناس عن السمع والنظر.. ويصر على أن يطبق على مستمعيه نظريته في الحكم، وهي النظرية التي تقول إن المسؤول العراقي يمتاز بثلاث خصال "لا يسرق.. لا يكذب.. لا يماطل". والغريب أن الكثير من مسؤولينا الأكارم يصرون على اختطاف قضية الفساد التي انطلقت منذ تشكيل مجلس الحكم عن جوهرها الحقيقي، ويريدون تسويقها للناس على أنها معركة للإصلاح.
أية دولة هذه التي تنكر ما جرى من خراب، وتحذر من محاسبة السراق؟، أية بلاد هذه التي تسعى لتصدير وهم "ليس بالإمكان أحسن مما كان"؟، أية بلاد هذه التي يريد بها البعض أن يمارس من خلالها وصاية على عقول الشعب تجعل الحديث عن فساد السنوات الماضية نوعاً من أنواع الضلال؟.
حالة الاستغراب التي أصابت الكتل السياسية من حديث النائب علي تركي لا يريد لها البعض أن تنتهي، وهي تثبت بالدليل القاطع أن أنصار دولة الاستبداد على أسس "الزعيم الأوحد" أكثر مما نتوقع، وظهر أيضا أن أساطير السادة المسؤولين عن أنفسهم تجاوزت الحد المعقول، وأن مفهوم السيطرة على البلاد والعباد، سيكون بديلاً لمشروع الإصلاح وتقديم الخدمات.
إنها للأسف مؤامرة حين يخرج نائب يتغاضى عن المنجزات التي قُدمت خلال العشرين سنة الماضية، ولا يدرك أننا في زمن دولة القانون تفوقنا على المدعوة سنغافورة في ملف الإعمار والصحة والتعليم والتنمية والخطب "الرنانة"!!