عدوية الهلالي
قال لي أحد قراء مقالي ذات مرة خلال فترة تكرار خروج التظاهرات الرافضة لأداء الحكومة والتي تطالب بوضع أفضل:" أنت تنتقدين الحكومة كثيرا ولاتنتقدين الشعب الذي يرضى بوجودها "..يومها تذكرت معضلة البيضة والدجاجة التي دوخت الفلاسفة، وتساءلت: هل تصنع الحكومة الفاسدة شعبا منافقا، ام يصنع الشعب المنافق حكومة فاسدة؟!
كانت التركة ثقيلة كما تذرعت كل الحكومات التي تعاقبت على العراق منذ عشرين عاما، ولم يكن الشعب منافقا كبيرا كما يتصور البعض لأنه تقبل كل عيوب الحكومات بل تم تدجينه ليرضى بالقليل وينسى حقوقه أو يؤمن بأنه عاجز عن الحصول عليها، وعندما حاول ان يكسر قيود الخوف واللامبالاة والعجز ويخرج الى الشارع، أدت التظاهرات الى مقتل العديد من المتظاهرين او تغييبهم، وتم تصفية عناصر شاركت في التظاهرات، وهنالك من المتظاهرين من اكتشف بأنه كان مخدوعا من الجانبين، الجانب الذي شجعه على التظاهر، والجانب الذي يفترض انه حامي الدستور الذي يكفل حق التظاهر.
إذن، تصعب الأمور كثيرا عندما تتغير الحكومات، أما عندما يتغير الشعب فالأمر يصبح أصعب، وقد تغير الشعب فعلا منذ أن ذاق ويلات حروب متعاقبة لم يكن له يد فيها، والحرب تجعل منا جميعا حمقى كما قال أحد الكتاب لأنها الفوضى بعينها، وهي تحولنا الى أشخاص لم نكن نتخيل يوما أن نكون مثلهم، وعندما تتناسل الحروب وتتنوع مناشئها واسبابها ونتائجها ويتخللها عنف طائفي وتنظيمات ارهابية، فلابد أن تفك مطارق الحروب الثقيلة لحام الشعب، ولابد ان تغيب أشياء كثيرة كالضمير والشرف والقيم ويحل محلها الفساد والخيانة والجريمة، واذا كانت هنالك أسباب جديدة جاهزة لتبرير ذلك كانتشار وسائل التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع بطريقة سلبية وانتشار المخدرات والفقر وغير ذلك كثير، فإن الشعب ليس بريئاً لأنه مجرم بحق نفسه حين ارتضى حمل جلاده على اكتافه عشرات السنين..
كيف لنا أن نغيّر الشعب إذن، وهو الأساس في الدولة وهو الذي يقوم بانتخاب حكومته وممثليه في البرلمان؟ نحن نعلم ان لافائدة من تغيير الحكومة طالما أن الشعب لم تتغير ثقافته وتكوينه ووعيه وقد تأقلم على الخضوع وتبرير افعاله كالرشوة والمحسوبية والمحاباة والوساطات.. وطالما ان قوة القوانين هي التي تجعل الشعب قوياً فلن نجد بصيص أمل مع ضعف دور القانون وانفلات المجتمع وولاءاته المتعددة التي لاتتحد في ولاء للوطن وحده..
ويبدو ان ماقاله ونستون تشرشل قبل عقود طويلة من إن كل شعب فى العالم ينال الحكومة التى يستحقها ينطبق على شعبنا لأن سوء حكوماته يجعله هشا ً سريع العطب، وتغيير مثل هذا الشعب يحتاج الى وعي كبير وانتماء للوطن ورفض للظلم والفساد وقبل كل ذلك، توحد في الرأي والاختيار والولاء..