علي حسين
أعتذر مقدماً، لأنني ساعيد تذكيركم بما فعله المرحوم لي كوان عندما قرر أن يضع بلاده " سنغافورة " على قائمة البلاد المتطورة.. كلما تحدث سياسي عراقي أتذكر حكاية سنغافورة ومعجزتها. وكلما مضت البلاد نحو الفشل، أتذكر حكاية كوريا الجنوبية واستقالة رئيس وزرائها بسبب غرق عبارة،
وكلما تذكرت مئات المليارات التي نهبت، أتذكر خطابات ساستنا "الأفاضل" عن ضرورة محاسبة الفاسدين. في هذه البلاد تُلقى الكثير من النكات، لكني لم أسمع نكتة مثل التي ألقتها قبل أيام النائبة عن ائتلاف دولة القانون" ضحى القصير" التي طالبت فيها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأن يعلن للعراقيين أسماء الفاسدين، ولكي تضع السيدة النائبة توابل لهذه النكتة أخبرتنا بأن كل الأمور المتعلقة بالفساد المالي هي من مخلفات حكومة الكاظمي.. وهكذا اكتشفنا والحمد لله أننا كنا نعيش في مرحلة ذهبية من النزاهة مع الحكومات السابقة.
ماذا نقول أيها السادة، وماذا نكتب، ونحن نرى بلاد الرافدين منذ سنوات تحتل "باقتدار" ذيل قوائم الرخاء والتنمية والصناعة والتعليم، ماذا أفعل وأنا أقرأ التقرير الذي يقول إن الجواز العراقي من بين الأسوأ عالمياً في 2023؟.حيث أخبرنا أصحاب التقرير بأننا في المرتبة ما قبل الأخيرة، لكن الحمد لله تفوقنا على الصومال. أتمنى أن لا تسألني من احتل المركز الأول عالمياً، لأنني سأعيد عليك حكاية سنغافورة، فقد احتلت هذه الجزيرة المرتبة الأولى بأفضل جواز عالمي، مثلما احتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً ومراتب متقدمة دولياً.
لا يعترف المسؤول الفاشل بالخطأ ويعتقد أن "الخطأ والصواب" لا علاقة لهما بما يجري من خراب .. حين تحول العراق، من أغنى دولة عربية إلى بلد بلا خدمات ، فالأمور لا تتعدى "تجارب تخطئ وتصيب" وحين نتقدم سُلّم البلدان الأكثر نهباً للمال العام، فإن الأمر يدخل أيضا في قائمة "تجارب الهواة"، فلا مشكلة أن يتدرب "الفاشلون" لإدارة مؤسسات الدولة.
كان السنغافوري لي كوان عندما يتحدث مع أصدقائه يشير إلى تأثير الكتب والى جانبها الحرص الوطني على مسيرته السياسية، وعندما رفع شعار من أجل حكومة نظيفة، كتب في مذكراته التي أسماها "من العالم الثالث إلى العالم الأول": "لقد عانينا من انتشار الفساد والطمع بين عدد كبير من المسؤولين، فالمناضلون من أجل الحرية لشعوبهم تحوّلوا إلى نهّابين لثرواتها، ولهذا حرصت من أول يوم تولّيت فيه السلطة على إخضاع كلّ دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقّين من القاعدة الشعبيّة من دون أن ينهب في الطريق".
منذ أعوام ونحن نكتب عن الفساد ومئات المليارات التي أُهدرت وسرقت، وأصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤولين فاسدين وظّفوا موازنة مؤسسات الدولة لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزاً واحداً.