علي حسين
لأننا حديثو العهد بالديمقراطية، فسنحتاج إلى مدة طويلة من الزمن لنستوعب الفرق بين مصطلح "مستشار" وكلمة "مقرّب"، فحتى هذه اللحظة الناس تعتقد أن لا فرق بين المقرب والمستشار مادام الإثنان قريبين من صاحب السلطة، وأزعم أن مصطلح المقرب هو النموذج السائد الآن وهو التعبير الحقيقي عن الحالة الديمقراطية التي وصلنا إليها،
والتي نبهنا إليها النائب محمد الزيادي عندما أخبرنا بأن الأمم المتحدة اجتمعت وناقشت وقررت وأصدرت بياناً اعتبرت فيه الديمقراطية العراقية أفضل ديمقراطية في العالم. تتذكرون هذا النائب الديمقراطي؛ محمد الزيادي، الذي ما أن أعلن عن فوزه بمقعد في البرلمان حتى قرر أن يحضر الجلسة الأولى للبرلمان وهو يرتدي ملابس قديمة وبسيطة ، معلناً أنه يتضامن مع الفقراء، وأنه لن يرتدي الغالي والنفيس، فِعل جميل لو أن السيد النائب لم يكن يوماً عضواً في مجلس محافظة المثنى لسنوات ممثلاً لائتلاف دولة القانون الذي في زمنه حصلت المثنى على المرتبة الأولى في عدد الفقراء.
المتابع للشأن العراقي يكتشف أن جيشاً جراراً من "المقربين" يحملون صفة مستشارين، يتحكم في شؤون الحكومة، بل أن هناك معلومات مؤكدة بأن هؤلاء المقربين هم سبب الفشل الذي يحاصرنا من كل اتجاه.
كان العراقيون يأملون أن يسمعوا كثيراً عن وظيفة المستشار والذي وضعت له الحكومات المتقدمة ثلاثة شروط لتولي المنصب: أولها الخبرة في مجال الاستشارة، الصفة الثانية بالمستشار هي الأمانة في إعطاء المعلومة ونقلها، والثالثة عدم تولي منصب تنفيذي في جهة الاستشارة نفسها، المختصون في مجال السياسة يؤكدون أن المستشار يساعد صانع القرار من زاويتين: أولاً توسيع دائرة البدائل المتاحة أمامه، وثانياً طرح سلبيات البدائل المتاحة حتى يكون صانع القرار على علم بما هو مقدم عليه. ماذا لو أن صانع القرار لا يرى استفادة حقيقية مما يتلقاه من المستشار من استشارات؟ وماذا لو وجد المستشار أن صانع القرار لا يستجيب لنصائحه؟ من المفروض حتماً أن يكون، هناك طلاق سياسي بين صانع القرار والمستشار لأن مهمة المستشار هي مراعاة الصالح العام. في العالم أجمع نجد أن صناع القرار يعتمدون على مستشارين يملكون رؤية متكاملة، يساعدون فيها المسؤول التنفيذي في رسم وتحديد برنامج عمل الدولة ، إلا في العراق، فالمستشار مجرد صديق مهمته الأساسية الموافقة على كل ما يتفوه به المسؤول، ففي عرف مستشارينا لا يجوز إزعاج صاحب القرار فهو أعلم بأمور البلاد والعباد، ولهذا يتحول المستشار إلى مجرد تابع يظهر أمام وسائل الإعلام لكي يقول إن كل شيء تمام وتحت السيطرة، وإن الخروج على القوانين إنما هو تجربة جديدة في الحكم ولكنها في الحقيقة رسالة تقول إننا نمثل على أنفسنا وعلى العالم ، ونضحك حتى نموت على أنفسنا من الضحك.