TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: التصفيق واجب

العمود الثامن: التصفيق واجب

نشر في: 15 أغسطس, 2023: 11:44 م

 علي حسين

كان الشاعر الزهاوي معروفاً بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة في كيس صغير ليسهل عليه توزيع (آناتها) ثمناً لما يشربه الذين يلتفون حوله في المقهى مصفقين له بحرارة كلما ألقى بيتاً من الشعر. وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري أن أحد الساسة العراقيين كان شديد الإعجاب بنفسه محباً للشهرة التي تدفعه أحياناً إلى استئجار أناس يكيلون المديح له في المكان الذي يتواجد فيه نكاية بمعارضيه.

عن التصفيق والمصفقين قرأت كتاباً لمؤلف مصري غاية في التشويق والمتعة عنوانه "لماذا يصفقون" والكتاب في الحقيقة يتجاوز مسألة التصفيق عند إخواننا المصريين ليتناول تاريخ التصفيق عند جميع الشعوب وكيف تحول المصفقون إلى أصحاب مهنة تدر عليهم أموالاً.

تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطور نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون التصفيق وفي زمنه أصبحت مهنة المصفقين المأجورين رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف.

وامتاز اليونانيون بكونهم أول من وضع قواعد لمهنة التصفيق،‏ فكان الشخص يحصل على مقابل مادي نظير التصفيق المتحمس لخطيب معين وكان بعض المؤلفين الذين يعرضون مسرحياتهم يؤجرون مجموعات من الجماهير تقوم بالتصفيق الحار لهم أمام لجان التحكيم.

يرى الفيلسوف ويليام جيمس أن التصفيق رمز مختصر للرضا فيما يؤكد عالم النفس فرويد أن التصفيق يكتسب أبعاداً كثيرة‏،‏ ليس من بينها الرضا على الإطلاق فالإنسان يلجأ إلى التصفيق تعبيراً عن الضيق والغضب،‏ فنحن غالباً ما نمارس التصفيق دون وعي مسبق،‏ ودون أن تكون لدينا معرفة فاحصة ودقيقة بوظائفه وأنواعه والآثار التي يمكن أن تترتب عليه.

يخبرنا مؤلف كتاب التصفيق بأن هناك أنواعاً عدة من التصفيق "يمكن التمييز بين نوعين منها التصفيق الأول تصفيق حر، يقوم به الشخص من دون ضغوط خارجية، وبمحض إرادته الكاملة، والثاني تصفيق إجباري، يقوم به الشخص مضطراً بسبب وجود ضغوط أو قيود تجبره على التصفيق. فالتصفيق مرآة تنعكس عليها علاقات السلطة بالناس".

ذات يوم، كان العالم آينشتاين يلقي محاضرة في إحدى الجامعات وبرفقته صديقه شارلي شابلن وما أن انتهى من المحاضرة حتى ضجت القاعة بالتصفيق. سأل آينشتاين "لماذا يصفقون إلى هذه الدرجة؟!"، رد شابلن "يصفقون لأنهم لم يفهموا شيئاً مما قلته".

يرتفع صوت السياسي ويرتفع معه التصفيق على الفور، لكنّ المصفقين لا يعلمون لماذا يصفقون أو لمن، المهم أنهم يصفقون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalid muften

    الكل يصفق علي وياك علي لمسؤول تنكر لمبادى الإمام علي (ع ) .

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram