اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: عراق عبد الله الصراف

العمود الثامن: عراق عبد الله الصراف

نشر في: 27 أغسطس, 2023: 12:05 ص

 علي حسين

عندما قرر الراحل عبد الله الصراف أن يقدم مسكوكاته التي جمعها من شتى بقاع الأرض، إلى المتحف العراقي عام 1969، قالت له ابنته الشابة آنذاك ثريا الصراف: لماذا تريد إهداءها للمتحف إنها ثمينة؟! ضحك رجل الأعمال والتاجر الشهير، ليقول لها بهدوء إنه مكانها الطبيعي وستدركين بنفسك ذلك لاحقاً.. إنها للأجيال يا ثريا.. سيبقون يرونها دوماً هناك في المتحف العراقي وليس أي مكانٍ آخر.

 

رجل الأعمال العاشق للرسم والشعر والثقافة لم يكن يحلم بالشهرة ولا بالمكافأة، كان حلمه الوحيد الحفاظ على تراث العراق، هذا التراث الذي يتعرض كل يوم إلى سخرية من بعض ممتهني السياسة الذين يزعجهم كل شيء عراقي. رجل الأعمال الذي يتفنن باقامة المشاريع الناجحة، كان في الوقت نفسه سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، وكتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل.

ينتمي عبد الله الصراف إلى صف طويل من الذين يمثلون العراق الحقيقي، والذين أدركوا معنى أنهم يعيشون في بلد متنوع فسعوا إلى بنائه بالجد والعمل والحلم.. أقاموا الجامعات والمتاحف والمعامل، وبسبب من عقول أمثاله ووطنية رجال مثل ساسون حسقيل ومحمد رضا الشبيبي وجعفر العسكري وعبد المحسن السعدون والزهاوي ومحمد الصدر والكرملي وسواهم، بدأ العراق يأخذ مكانته واستحقاقه، لم يولد ضعيفاً، بل أخذ يتقدم الدول الأخرى، شريكاً وفاعلاً، وليس تابعاً كما يريد له البروفيسور في تغيير الكراسي نجاح محمد علي .

هل تعرفون من أعاد بناء قاعة عبد الله الصراف بعد عام 2022، ابنته ثريا التي كانت تستغرب وهي صغيرة من أن يضحي والدها بكل هذه الثروة النادرة ، فقررت أن تتكفل بكل مصاريف ترميم قاعة خاصة بمسكوكات والدها . تقول في حوار أجرته معها السيدة رجاء الشجيري ونشر في جريدة الصباح: "إن والدي كان يرعى هذه المسكوكات مثل واحدٍ من أولاده تماماً. وفعلاً بعد أنْ كبرت أدركت ما قاله لي والدي، رحمه الله، من أنَّ مكانها المناسب هو المتحف العراقي رابع أهم متحف في العالم، وأصبحت سعيدة جداً بقراره وما أراده".

أتذكّر سيرة عبد الله الصراف كلما عدت إلى ذكرى رجال خدموا العراق بعيداً عن الطائفية والمحسوبية، أتذكرهم وأنا أقرأ أخبار أثرياء العراق الجديد.

هذا هو وجه العراق الحقيقي، وجه صادق، أكثر اجتهاداً ومحبة لروح المواطنة، لا حديث عن الطائفة والمذهب، وإنما سجال عن عراقة العراق، ولهذا يظل عبد الله الصراف نموذجاً غريباً في عراق اليوم، فمن يريد عراقياً لا يتحدث بالمنفعة ونهب الاموال؟.

شكراً عائلة الصراف لأنك أثبتّمم لنا أنّ المكان والمكانة فقط لمواطنيين عراقيين يتبارون في حبّ هذه البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. علي الخطيب

    كنت ومازلت اراك منصفنا وصادقا في كتاباتك لكنني الان ارى من العدل توخي الحذر في المبالغه بغايات الاهداء الى المتحف العراقي ولم كانت في بدايات حكم البعث في ستينيات القرن الماضي تحياتي

  2. د. عمر الجميلي

    كنت ولازلت احد عشاق قراءة عمودك. قلم يحمل هم الوطن وكثير من الصدق وعدد لايحصى من الانكسارات كمثقف. قلم يعكس رؤية صادقة لواقع مر. اتمنى ان يقدر هكذا قلم بجائزة يستحقها. مع كل المحبة والتقدير.

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

 علي حسين انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب...
علي حسين

قناديل: تشويه صورة تشومسكي

 لطفية الدليمي ماذا عساك تفعلُ عندما تسعى لتشويه صورة إنسان معروف بنزاهته واستقامته الفكرية والانسانية؟ ستبحث في التفاصيل الصغيرة من تاريخه البعيد والقريب علّك تجد مثلبة (أو ما يمكن تأويله على أنه مثلبة)....
لطفية الدليمي

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

محمد الربيعي هذه المقالة تتبنى ما طرحته في كتاباتي السابقة وتعيد ما اكدت عليه في سياقات مختلفة. اسأل القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالي مسامحتي ازاء الالحاح في التأكيد، فالحاجة تدعوني لاعادة النظر في هذه...
د. محمد الربيعي

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

لينا اونجيلي ترجمة: عدوية الهلالي في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات...
لينا اونجيلي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram