اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أحلام الغرباء

العمود الثامن: أحلام الغرباء

نشر في: 3 سبتمبر, 2023: 12:10 ص

 علي حسين

رحل كريم العراقي غريباً عن بلاد كتب لها عشرات قصائد الشوق والغزل، وقبله بستين عاماً رحل السياب غريباً. ضمت قائمة الغرباء أسطوات الثقافة العراقية،

الجواهري، غائب طعمة فرمان، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، علي الشوك، خالد القشطيني، رفعت الجادرجي، مصطفى جمال الدين، شمران الياسري، سعدي يوسف، مؤيد البدري سركون بولص، صلاح جياد، فوزي كريم، مؤيد الراوي، مظفر النواب، بلند الحيدري، واعتذر لان قائمة الاسماء طوية وتطول كل يوم . جميعهم كانوا يدقون باب الوطن مثلما كتب الغريب شاكر السماوي، لكنهم عاشوا غرباء ينظرون ان يفتح الوطن لهم بابه ، كانوا جميعا مغرمين بما يقدمون، سواء في الشعر، أو الكتابة أو الموسيقى أو المواقف الحياتية، يعتقدون أن الثقافة والفن سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، وإنساناً يبذر المحبة والرفاهية، يحلمون ببلاد تنشد المستقبل، فاذا بساسة الصدفة الذين اطبقوا على انفاس الناس والعباد منذ عقود يصرون على أن يستبدل العراق التنمية والعدالة الاجتماعية ، بالانتهازية واللصوصية، وأن يخلع العراق ثوب الحياة برداء الخراب والفضيلة الزائفة، يتبارون ، ساسة مهنتهم الوحيدة ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.

كانوا يريدون بلاداً ناهضة اسمها العراق، فاذا اليوم نسمع من يسخر من كلمة العراق.. أرادوا بلاداً تزدهر بها لجان العمل والخير، فاذا بنا نؤسس لجانا للنزاهة والمحاصصة،عجيب هذه البلاد التي يرى أهلها أن ماضيها أفضل من حاضرها، وأن مستقبلها مجهول، وأن السياسة تحولت فيها من مهنة لخدمة الوطن، الى مهنة لخدمة المصالح ، فاذا الوطن يوضع اليوم في الخانة ماقبل الأخيرة في تفكير العديد ، فهو يأتي بعد العشيرة والمذهب والطائفة.

كان كريم العراقي يدرك أن قصائده ستفرح العراقيين، لكنه لم يكن يعلم أن المشهد الأخير من حياته سيحزن الملايين، ومثلما نتأمل في قصائده وافراحه وأحزانه وذكرياته، نتذكر ذلك الفتى النحيل الذي حطّ الرحال في مبنى الإذاعة والتلفزيون ليقدم قصيدته "جنة جنة جنة.. والله ياوطنا"، شاعر شيّد لنفسه بساتين من القصائد التي تغنّت بالأمل والحب والجمال. قصائد تحمل غنى الأمنيات، يصوغ منها صورة لوطن جديد، بوسع الآمال اسمه العراق، وحلم أن لا يعيش غريباً مثلما عاش السياب.. وأن لا يصرخ سدى.. عِراقُ، عراقُ.. ولا يردُّ سوى الصدى.

يغيب كريم العراقي وتطوى معه صفحة من الجمال، فالحاضر الذي نعيشه يحيط به الخراب، بلا لون ولا طعم، ونبحث عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم ومفردات السيدة والانبطاح. ونتمنى أن نُصبح دولة سوية تكرم الذين يستحقون التكريم، ولا تنشغل بالبحث عن اخبار الشيخ علي حاتم السليمان.

يقول المؤرخ اريك هوبزباوم :" لا يمكن فهم هذا العالم ، من غير أن نفهم الأحلام التي راودت الشعوب. وكذلك الخيبات التي حاصرته " .. وها نحن محاصرون بالخيبات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

 علي حسين انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب...
علي حسين

قناديل: تشويه صورة تشومسكي

 لطفية الدليمي ماذا عساك تفعلُ عندما تسعى لتشويه صورة إنسان معروف بنزاهته واستقامته الفكرية والانسانية؟ ستبحث في التفاصيل الصغيرة من تاريخه البعيد والقريب علّك تجد مثلبة (أو ما يمكن تأويله على أنه مثلبة)....
لطفية الدليمي

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

محمد الربيعي هذه المقالة تتبنى ما طرحته في كتاباتي السابقة وتعيد ما اكدت عليه في سياقات مختلفة. اسأل القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالي مسامحتي ازاء الالحاح في التأكيد، فالحاجة تدعوني لاعادة النظر في هذه...
د. محمد الربيعي

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

لينا اونجيلي ترجمة: عدوية الهلالي في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات...
لينا اونجيلي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram