علي حسين
تمر هذه الأيام مئة عام على رحيل سيد درويش صانع شخصية مصر الموسيقية، ونقرأ في الأخبار، أن مؤسسات مصرية عدة تحتفي بذكرى رحيل صاحب "الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية"، القائمة تضم وزارة الثقافة من خلال قطاعاتها المتعددة، دار الأوبرا بمسارحها في القاهرة والمحافظات، ومعهد الموسيقى العربية، ومكتبة الاسكندرية، ودار الكتب والوثائق القومية، والبيت الفني للفنون الشعبية، ونقابة الصحفيين واتحاد أدباء وكتاب مصر.
كُتب عن سيد درويش عشرات الكتب ومئات المقالات، ما الذي يمكن لكاتب مثلي، أن يضيف بعد أن تحولت صورة سيد درويش وأغنياته إلى أيقونة تعكس محبة الشعب لفنه؟. وكنا في هذه البلاد التي يراد للفرح والبهجة أن تغادر شوارعها نمني النفس أن تحتفل مؤساستنا الثقافية والفنية بذكرى الكبار، وأن لا تمر ذكرى رحيل جواد سليم ونحن نتجادل، هل كان سنياً أم شيعياً؟ .
قبل عامين مرت ذكرى مئة عام على ميلاد ناظم الغزالي، وبعد شهر تمر ذكرى ستون عاماً على رحيله، المطرب الذي سحر العراقيين من أقصى الجنوب، حتى قمة أعلى جبل في كردستان، ولد فقيراً، الأم فاقدة النظر.. والأب بالكاد يستطيع توفير لقمة العيش لأطفاله، فقرر عمه أن يتكفله، بعد أن عاش فترة في بيت خالته ..
عاش مع أحلام أن يصبح موظفاً ليرمي الفقر وراء ظهره، ولم يكن يُدرك أنه سيشيع الفرح والبهجة في نفوس العراقيين، وأنه سيتصيد لهم حكايات الحب مع رفيق رحلته المسيحي ناظم نعيم وهما يقدمان للعراقيين "طالعة من بيت أبوها" و"أحبك وأحب كلمن يحبك" و"يم العيون السود" و"مروا عليّ الحلوين"، التي نتأملها كل يوم ونكتشف كيف كانت الناس تجد في هذا المطرب أفراحها ومسراتها وأحزانها وشكوى عشاقها، ومثلما نتأمل في أفراح ومسرات وذكريات الأغنيات التي أنشدها، نتذكر هذا الصبي الذي ولد في زقاق بغدادي يذكرك بالأزقة التي رسمها مبدع عراقي آخر اسمه غائب طعمة فرمان الذي هام حباً ببغداد، لكنها أدارت له ظهرها واستكثرت أن تسمي أحد شوارعها باسمه، مثلما استكثرت على ناظم الغزالي أن يكون له تمثال في إحدى ساحات بغداد.
ناظم الغزالي كان مغرماً بما يغني ويدندن، يعتقد أن الأغنية والفن سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة ، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه كل يوم .
لم يكن ناظم الغزالي يُدرك أنه سيوحد العراقيين بأغنياته وأن عيونهم ستدمع كلما يسمعون ناظم الغزالي يقول: "فوك النخل فوك".
مات ناظم الغزالي بعد أن أثقلت حياته الأفراح والأحزان، ، لكن أغنياته ظلت تطل علينا توزع الفرح والأمل وتحيي الشجن في القلوب التي يراد لها اليوم أن تكره الفرح .