علي حسين
بعد عشرين عاماً على تجربتنا الديمقراطية الرائدة التي أدهشت القاصي والداني، وجعلت دولة مثل اليابان تتمنى أن تنقل هذه التجربة المثيرة، بعد كل هذه السنوات يشعر المواطن العراقي أن لا أمل في أن تعتذر الطبقة السياسية عن الخراب الذي أشاعته في البلاد، هذه الطبقة، بكل أحزابها ومستقليها ومدعي الليبرالية والمدنية تحولت إلى وحش يتصارع على السلطة والمال، أما مصالح الناس ومصير البلاد، فهذا أمر خارج اختصاصها.
في الانتخابات الأخيرة كانت الناس تتأمل خيراً بالنواب المستقلين، وكنا نراقب الوعود التي أطلقها هؤلاء النواب وهم يصرخون من على الفضائيات "لا تحزب ولا طائفية"، بل أن البعض راهن عليهم، لكن للأسف اكتشفت الناس أن شعارات محاربة الفساد، والقضاء على المحاصصة، ودولة المؤسسات والرفاهية، تحولت كلها إلى صفقات وجلسات سمر واستبدل التكتك بسيارات رباعية وحمايات، وممارسة حالة من النصب السياسي العلني، ليكتشف المواطن أنه تورط في كذبة اسمها المستقلون، لأن السادة النواب حولوا شعاراتهم إلى أرباح وعوائد وفوائد، وستفاجأ عزيزي القارئ بأن ما صرف على نوابنا المستقلين خلال الدورة الحالية يمكن له أن يبني أكبر مجمع سكني لعشرات العوائل يسكنون في بيوت من التنك وكان هذا أعز وأبقى عند الله والوطن من تقلبات النواب المستقلين.
للأسف بعد عشرين عاماً من الهوان، لم يعد ثمّة من يجادل في أن للبرلمان طريق مفروش بالامتيازات والصفقات، وللناس المغلوبين على أمرهم طرق مليئة بالغبار وعجاج الفضائيات .
منذ أيام والجميع يتحدث عن مشاريع التغيير والإصلاح، ويحذروننا من "الانسداد"، وغضب السماء على هذا الشعب الذي يتبطر على نعمة الديمقراطية، لكن المواطن المبتلي بقوانين العشائر، وغياب العدالة يعرف جيداً أن ما يقال على الفضائيات لا يعدو كونه مجرد كلام، الذي أعرفه خلال عشرين عاماً عشناها مع الخراب، أن القضية لم تعد مجرد تغيير وإصلاح وأضيف لها انسداد، بل إنقاذ العراق، وقد أعطيت نفسي أكثر من فرصة أتفاءل فيها بما سيفعله النواب المستقلون، وكنتُ مراهناً نفسي على أنّهم سيعيدون للبرلمان مكانته التي يجب أن يأخذها، ويبدو أنّ المتشائم انتصر في النهاية وخسرت الرهان، مثل كلّ مرة أراهن فيها على مسؤول عراقي، وفي هذه الزاوية المتواضعة كنتُ بين الحين والآخر أُصدّع رؤوس القرّاء، بحديث عن رجال دولة تاريخيين، استطاعوا أن يصمدوا بوجه المغريات، فخلّدهم التاريخ بأن أبعد عنهم غبار النسيان.
شيء مؤسف أن لا يكون لدى الكاتب ما يكتبه للقرّاء سوى التشاؤم والسخرية من الأمل، ولكنني سأترك "المتشائل" جانباً وأتمنى على الذين اكتشفوا أن هذا الشعب مذنب وكافر ويجب أن يعاقب بالعجاج، أن يسعوا جادين لإفساح المجال لتكنوقراط بوزن ابو علي الشيباني ليأخذ مكانه في البرلمان إلى جانب حنان الفتلاوي .
يقدم لنا العالم نماذج لسياسيين لم يبحثوا عن التوازن الطائفي، فيما نحن لا نزال نعيش في عصر "تقلبات" النواب المستقلين، فعين على الإطار وأخرى على التيار، وعين على من يحقق الربح الأكبر.