علي حسين
كلّما عصفت الأزمات السياسية والاجتماعية في هذه البلاد العجيبة التي استبدلت صوت ناظم الغزالي بخطابات مزيفة لسياسيي الصدفة، أتذكر من دون وعي مسرح بغداد، ذلك المكان الساحر الذي لم تترك خشبته الصغيرة شيئاً من هموم العراق إلّا وحاولت أن تطرحه للحوار والنقاش والسؤال، بالكلمات والموسيقى والتمثيل والأمل بعراق معافى.
كان يوسف العاني ومعه زينب وناهدة الرماح وخليل شوقي وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وزكية خليفة ومي شوقي وروميو يوسف وآزادوهي صاموئيل وفوزية عارف وجواد الأسدي ومقداد عبد الرضا وعشرات الشباب والشيوخ، الذين حوّلوا الكلمات إلى وطن، والضحكات إلى عراق جميل وباسم لا يُغادر الذاكرة.
كان حلم القائمين على مسرح بغداد أن يبشّروا بوطن لامكان فيه للطائفية والمذهبية والقبلية واللصوصية والانتهازية وإطلالة عواطف النعمة. واختصر خليل شوقي في النخلة والجيران أحلام جميع العراقيين بعبارة بسيطة: "هم يجي يوم ونعيش بليه هموم.. كافي تعبنه". لكن يبدو أنّ الهموم لاتريد أن تفارق هذه الأرض، وبدل أن يتّعظ العراقيون بسنوات الاضطهاد والاستبداد، ما زالوا يتخاصمون من أجل أن لايخرج كرسيّ رئيس الوزراء من الحزب الفلاني، وأن لايترك محمد الحلبوسي قبّة البرلمان. وأن يبقى رئيس الجمهورية يناضل من أجل أن لا يدخل الكاردينال ساكو إلى بغداد، وعكس ذلك فإن الأجندات تريد أن تمحي العراق كما أخبرنا السياسي المتحذلق محمود المشهداني، الذي أفشى سرّاً خطيراً لا أعتقد أنه سيثير الجدل أكثر مما يثير الضحك، ماهو السر ياصاحب شعار "الكل يبحث عن المالات"؟ الذي أخبرنا وبكل أريحية وما يهمنا إذا صار أحمد أو محمود رئيساً للوزراء.. اللي ما ينطينا ما لاتنا نزعل عليه، واللي ينطينا نرضى عليه، ومراح نفكر بأن هذا رئيس وزراء مهني لو مو مهني، يشتغل زين لو ما يشتغل زين، هاي مسألة ما تهمنا، المهم ينطينا المالات!، مثل هذا المشهد الساخر لن تجده حتى عند دعبول البلّام الذي برع في أدائه الراحل يوسف العاني.
قبل أيام مرت ذكرى رحيل قامة عراقية الفنان سامي عبد الحميد أحد بناة المسرح العراقي والمواطن العراقي النزيه والصادق والمحب لبلده. وقد انتظرتُ بعد الذكرى أياماً وسألت: هل احتفت أيّ جهة أو مؤسسة عراقية بهذه المناسبة؟ ولم أستدل على أي شيء بهذا المعنى .والغريب أنّ المؤسسة الوحيدة التي قضى فيها سامي عبد الحميد مُعظم سنوات حياته المهنية والفنية هي كلية الفنون الجميلة لم تفعل شيئاً بمُناسبة ذكرى رحيل أبرز مؤسسيها. وكأنّ الموضوع لايستحق الاهتمام ولا التذكر ولا حتى الإشارة!.
تعاملت المؤسسات الفنية والثقافية مع ذكرى هذا المواطن العراقي على أنها خبر "كان" في زحمة أخبار التحالفات الانتخابية التي لايزال أصحابها مصرّين على أنهم يمثلون هذا الوطن.