علي حسين
بالتأكيد نحن شعبٌ ناكرٌ للجميل، وبلغت بنا الوقاحة مبلغاً جعلنا ننكر على مجالس المحافظات، الإنجازات العظيمة التي قدمتها خلال سنوات تحكمها بكل صغيرة وكبيرة في المحافظات، صرفنا جهدنا في تقليب دفاترهم، فيما إنجازاتهم تؤكد أنهم وضعوا محافظاتهم بمصاف المدن المتقدمة.
عشنا معهم سنين من الرفاهية، فالوقائع أكدت بالدليل القاطع أن مجالس المحافظات استطاعت بفضل خبرات أعضائها وتفانيهم وحبهم للوطن أن تنقل المدن العراقية التي كانت تعيش على هامش التاريخ خلال سنوات قصيرة من الزمن لتصبح من أفضل المدن على مستوى الخدمات والاقتصاد والتعليم والصحة.
كيف تسنى لنا أن “نتفرعن” على إنجازات مجالس المحافظات، وننسى بلاءها الحسن وهي تشن حروبها على الفساد والمفسدين، وتوفير الخدمات وبث الأمن والأمان في النفوس؟.
ننسى نحن الناكرين للجميل أن المجتمع العراقي قبل مجيء أشاوس مجالس المحافظات، كان غارقاً في مستنقعات التخلف والعوز، وننسى أن هؤلاء "الأفاضل" تسلموا تركة ثقيلة وأن الأوضاع كانت قبلهم غاية في السوء على نحو يدفع المواطن إلى أن تسيل دموعه إشفاقاً على هؤلاء المسؤولين المساكين، الذين حملوا أمانة تنوء بحملها الجبال..ننسى انجازات كامل الزيدي وجماعته في بغداد عندما قرروا ان يحولوا العاصمة الى قندهار !
نكران الجميل دفعنا إلى أن لا نسمع كلام بعض السياسيين وهم يبشرون بمرحلة جديدة ستشهدها المحافظات بعد انتخابهم وانتخاب "ربعهم" أعضاء في مجالس المحافظات، وقد طلبوا من العراقيين جميعاً أن يلتزموا بواجب فرضه الوطن عليهم، وأن ينصروه.
كان أهالي بغداد والموصل يحلمون بتغيير حقيقي، لكن سياسيينا الأشاوس أصروا على أن يمارسوا معهم لعبة الديمقراطية بالوجوه نفسها، وبمشروع سياسي لا يختلف كثيرا عن المسرحية الكوميدية "جئنا لنبقى" التي ملَّ الناس من التفرج عليها خلال السنوات الأربع الماضية..
حين أدار أكثر من ثلاثة أرباع العراقيين ظهورهم إلى الانتخابات، فلأنهم ملّوا من المطالبة بأبسط حقوقهم، في حين أصر مسؤولو المحافظة على التأكيد على خطاب خيالي لاعلاقة له بالواقع، وبدلاً من أن يهتموا بالتنمية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، أصبح همهم الوحيد إلقاء المواعظ والخطب الأخلاقية، ومطاردة الفتيات السافرات في الشوارع، والتضييق على الحريات التي ضمنها الدستور، وهكذا اعتقدوا أنّ مهامهم الأساسية إعادة العراقيين إلى عصر الإيمان والتقوى بعد أن عاشوا دهوراً في الجاهلية والكفر.
لماذا يصر البعض على أنّ الناس عميٌ لا يرون، وأنهم يصدّقون كل رواياتهم؟. اليوم الناس بحاجة إلى بناء مدن حديثة. وهذا يعني أن كل "البكتيريا" المضرة التي تكونت على جسد مجالس المحافظات، لا بد من مكافحتها وإزالتها بأجود أنواع "مبيدات" الديمقراطية.. فلامكان لمسؤول وسياسي يعتقد أن المنصب فرصة للإثراء بسرقة البلاد.