علي حسين
كلما يدور حديث عن المصالحة التي تحولت في الآونة الاخيرة إلى إعادة قانون الاجتثاث، أتذكر الراحل نيلسون مانديلا، وأخشى أن أسال: لماذا لا يوجد مانديلا عراقيّ؟ لأنني في كل مرة أشاهد وأسمع عدداً من الساسة يتحدثون عن مآثرهم في المصالحة، حتى أنّ خطيب العراق إبراهيم الجعفري خرج ذات يوم صارخاً، نادباً: "مانديلا العراقيّ موجود، التفتوا حولكم وسترونه جيداً"،
الغريب أنّ العاملين في الصحافة من أمثال جنابي ضعاف البصر والبصيرة، عن مانديلا عراقي لم يجدوا غير ظلال "فخامته" التي تريد أن تعيد لنا ألاعيب السنوات الماضية، وسندات محمود الحسن و"ونزاهة " مثنى السامرائي، وإطلالة عالية نصيف، وسهرات مشعان الجبوري وعبقرية محمود المشهداني.
يبدو الحديث عن مانديلا في هذه الزاوية الصغيرة والمتواضعة، أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهداً على المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكاً من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين حكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني أن يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني، وهو ألاّ يلغي أحداً، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، مؤكداً أن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرّر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه.
التسامح والغفران يتطلبان إيماناً بأن الأفكار مثلها مثل الأشياء تتحول وتتغير، لكنها تتغير داخل بلدانها، لا تتطلب مصافحة بين عمار الحكيم وملك الأردن، ولا الجلوس بخنوع أمام روحاني، ولا ركوب الطائرة لإقامة ليالي الأنس في جنيف.
للأسف يتشاطر البعض من سياسيي الصدفة على تصوير الأزمة العراقية على أنها خلاف بين طوائف الشعب، وأنها معركة بين معسكر قوى الإيمان من جانب وأعدائهم قوى الفحش والرذيلة، وبالتأكيد تعرف عزيزي القارئ أن قوى التقوى والإيمان هي الجالسين على كراسي البرلمان، ومعلوم لجنابكم أن قوى الشر هو الشعب المشاغب الذي يريد مدارس حديثة ومستشفيات نظيفة وشوارع وسكن وتنمية، وهذه أمور للدنيا ونحن شعب منذورين للآخرة.
اليوم لا يريد المواطن العراقي من أصحاب الفخامة والمعالي والسيادة، أن يعتذروا عن سنوات الخراب، وإنما نطالبهم بأن يختفوا تماماً من حياتنا، وعليهم أن يشكروا الله لو أن أحداً لم يحاسبهم على ما ارتكبوه بحق العراقيين من تضليل ومناصرة للفساد وترويج للطائفية واجتثاث من يختلف معهم ، فنحن في النهاية أمام مسلسل طويل من الفشل الذي ارتكب بحق هذا الشعب المسكين لا تكفي معها بحور من الاعتذارات.