TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أين هم؟

العمود الثامن: أين هم؟

نشر في: 7 نوفمبر, 2023: 12:06 ص

 علي حسين

ما أن يصدر كتاب جديد للفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، حتى تجدني أبحث عنه في المكتبات فأنا أحرص على أن أقرأ وأتمعن في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذه الفيلسوفة التي كانت تمني النفس أن تصبح روائية، فهي تحفظ مقولة سارتر الشهيرة أن الأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، عندما أقرأ جديد جوديث بتلر أو سلافوي جيجيك أو ما ينشره الهندي أمارتيا سن، كنت دائماً أسأل نفسي من هو المثقف الحقيقي؟

دائما ما يطرح هذا السؤال : من هو المثقف ؟ هل هو الملتزم بقضايا الناس ، أم الذي يدور حول فلك الساسة والمسؤولين ، ام الذي يدافع بشراسة عن المضطهدين والمظلومين في هذا العالم؟ هل هو الكاتب الذي يكتب للنخبة ، ام الباحث عن السلطة والمال والمكانة الاجتماعية ؟

تذكرت نموذج هذا المثقف وأنا أقرأ مقال جوديث بتلر الالذي نشرته قبل ايام ، تؤكد فيه على ان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية :" فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"

جوديث بتلر التي تعمل اليوم أستاذة في جامعة كاليفورنيا، تعيش في مدينة بيركلي، كتبت مقالاً بعنوان "بوصلة الحداد"، تقول فيه إن هناك من يستخدم تاريخ العنف في المنطقة ليبرئ اسرائيل ، فهي ترى ان العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين هو شيء طاغي:" فهناك القصف المستمر بلا هوادة وقتل الناس من كل الأعمار في بيوتهم وفي الشوارع والتعذيب في سجونهم وتقنيات التجويع في غزة والاستيلاء على البيوت. وهذا العنف بكل أشكاله هو موجه ضد ناس معرضين لأحكام الفصل العنصري " . وتضيف؛ هناك تاريخ من العنف في المنطقة يتراوح ما بين ضربات جوية ممنهجة ومستمرة واعتقالات قسرية وعمليات قتل استهدافية، مما أجبر ذلك الفلسطينيين على العيش في دولة موت على نحو بطيء.

نقرأ مقال بتلر فنرى كيف يفهم المثقف الحقيقي دوره في المجتمع ، وكيف يتغلب على مفردات مثل القومية والعشيرة والحزب ، الفيلسوفة اليهودية تنتقد ما يجري ضد الفلسطينيين ، دون ان تفكر ولو للجظة واحدة انها يجب ان تدافع عن " جماعتها " كما يحصل عندنا ، عندما ينحاز المثقف العراقي لطائفته وعشيرته .

في شقتها المطلة على البحر تتأمل بتلر في العالم الذي استحال أمامها إلى مريض يحتاج إلى جراحة سريعة لإزالة ورم خبيث من جسده، اسمه اللامبالاة والانحياز للظلم، وتؤكد على أن الحديث عن فكرة عقاب جماعي لشعب ، إنما سيجلب مظالم جديدة ويؤجج نار العنف في العالم.

اليوم عندما نرى الجهل يتفشى والمحسوبية تتمدد والانتهازية تسيطر على حياتنا ، فان هذا بالتاكيد سببه قلة المثقفين الشجعان، وكثرة الأدعياء الذين يحشون أفكار الناس بالفشل والجهل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram