علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن القنبلة التي فجرها النائب مصطفى سند وهو يخبرنا بكل ثقة أن الفريق عبد الوهاب الساعدي مجرد أكذوبة، ولا صحة للمعارك التي شارك فيها، وأنه،أي الساعدي، صنيعة أمريكية.. للأسف في هذه البلاد التي ابتلت بنواب الفضائيات تتكرر ظاهرة لا وجود لها في بلدان العالم التي تحترم جيوشها، وتتلخص بمحاولة الإصرار على إهانة الجيش العراقي الذي لا يريد له البعض أن يصبح قوياً.
لكنني سأترك السيد النائب وأنا واثق أن لا أحد سيسأله لماذا تهين قائداً عسكرياً ومن على الفضائيات؟، واسمحوا لي أن أخصص هذه الزاوية لتسجيل التحية والتقدير لحدث ثقافي مهم وأعني به مهرجان "أنا عراقي، أنا أقرأ" الذي ينضمه مجموعة من الشباب يحبون وطنهم، ولا ناقة ولا جمل لهم في معارك النواب المصيرية.
ولأنني أنتمي إلى قوم لا يمكنهم تخيل عالم لم تظهر فيه الكتب، التي سطرها مجموعة من الأحرار علموا البشرية قيمة وأهمية الحياة، وتجدني أردد عبارة عمنا أفلاطون الشهيرة "إن طلب المعرفة شرط لمن يتقلد زمام الحكم، والسبب هو ما يتميز به الحاكم المتعلم من حكمة وصدق".. وأتمنى أن لا يخرج علينا نائب متحمس ويقول إن أفلاطون صنيعة إمبريالية.
أنظر إلى الكتب التي غصت بها حدائق "أبي نواس"، وأسرح مع هذا العرس الثقافي، وأتذكر بغداد أيام كان فيها فيلسوف العرب الأكبر الكندي يوصي المسؤولين بأن: "الزموا العدل تلزمكم النجاة، العدل أمان النفس من الموبقات، والحكمة سلم العلو، فمن عدمها عدم القرب من باريه"، وكان يقول راحة السفهاء في وجود الباطل. وما أكثر السفهاء في بلاد الرافدين هذه الأيام. فيما الجاحظ يوصينا بأن ننتبه للكتاب لأنه "الصاحب الذي لا يتملقك، ولا يخدعك بالنفاق"، تلك كانت بغداد الفارابي والتوحيدي، والكرملي وعلي الوردي والزهاوي، فيما اليوم تغزوها أسراب جراد الجاهلين الذين يرون فيها خزينة ينهبونها في وضح النهار .وفضائيات يبثون من خلالها سمومهم.
دائماً كنت أسأل نفسي: ترى كيف سيكون شكل العراق لو لم يسطر فيه كلكامش ملحمته ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحكمة، ولم يعلمنا حمورابي احترام القوانين؟، هل يمكن أن نتخيل العالم برمته من دون الحروف الأولى التي خرجت من هذه الأرض؟.
تعطينا الكتب المنفعة والمتعة في هذه الحياة. وتحول لنا الأرض إلى قرية واحدة قبل أن يكتشف الأمر منظرو العولمة، كتب يزودنا أصحابها بالحكمة ومؤرخون حفظوا لنا حكايات التاريخ وعبره، وشعراء صنعوا لنا أحلاماً وآمالاً وعوالم جميلة، كتب ندين لها بجمال الحياة، لولاها لكنا نرى بغداد مجرد دار للسكنى وليست قصيدة رائعة لمصطفى جمال الدين :"مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ.. ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ"..عذرا ايها الشاعر الكبير ..انهم يكرهون بغداد .