TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: حزن فى بلاط صاحبة الجلالة

العمود الثامن: حزن فى بلاط صاحبة الجلالة

نشر في: 6 يناير, 2024: 11:40 م

 علي حسين

لم تكن سلام خياط التي رحلت عن عالمنا صباح أمس تُدرك أن حياتها التي كانت ضاجة بالأحلام والأمنيات والكتب والقصص والأشعار ستنتهي على سرير في دار للمسنين بلندن، وأن البلاد التي تغنت بحروف اسمها تستكثر عليها راتباً يحفظ لها حياة كريمة في الغربة، بدلاً من المعونات التي كانت تخصصها لها دائرة الإعانة في بريطانيا.

هل يمكنك عزيزي القارئ أن تصدق أن السيدة التي خدمت نصف قرن في مجال المحاماة ومثلها أو أكثر في مهنة الصحافة، عجزت أن تحصل على راتب تقاعدي في سنواتها الأخيرة، في الوقت الذي تمنح الملايين لنواب لاهم لهم في الحياة سوى التقليل من شأن العراق .

سلام خياط ساحرة الكلمة صاحبة الأسلوب المكثف والمرصع بجواهر اللغة، وروح الحياة ونضارة العبارة ودقة الرؤية والموقف الوطني الرصين ، كنت كلما أعثر على كتاب من كتبها النادرة الموضوعات، أتذكر عمودها "السطور الأخيرة" الذي كانت تنشره في صحيفة الجمهورية قبل أكثر من أربعين عاماً، ثم حطت به في صحيفة (المدى) ، ليُصبح علامة متميزة لفن الكتابة الصحفية، كتابة لا ثمن لها ولا مثيل .مقالات مكتوبة بمهارة وحرفية لا تقل إطلاقاً عن قدرت كاتبتها في طرح القضايا الوطنية بعمق وثقافة.

سلام خياط كانت مغرمة بما تكتب، تعتقد أن الكلمة والموقف سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة.. عاشت أسيرة لأفكارها وأحلامها متنقلة بين الحديث عن الثقافة والفنون وبين التأسي على حال الوطن، مدركة أن الجهل لا يصنع مستقبل، وأن لعبة الديمقراطية الزائفة ستؤدي بالعراق إلى المجهول محذرة في واحدة من سطورها الأخيرة من أن: "الغرير وحده من تبهره الحملات الانتخابية المستعرة، فالأموال الطائلة المرصودة، لا تدفع عبثاً، ولا لخاطر المرشح شخصياً، ولا تحسباً لنافلة، ولا لمرضاة الله! من يدفع فلساً، يرتجي استعادة المبلغ أضعافاً مضاعفة فيما لو تحقق الفوز.. إنه موسم البذار بانتظار مواسم حصاد وفير يمتد لسنوات أربع".

لم يقرأ أحد من مسؤولينا "الأكارم" شكواها التي سطرتها في سطورها الخيرة عام 2018 تشكو ظلم البلاد لها: "وجدت البارحة بين بريدي، رسالة من دائرة الإعانة، يخبروني فيها أن راتب الرعاية الاجتماعية قد زيد بمقدار ستة باوندات إسبوعياً لمواجهة التضخم.. إنهمرت دموعي رغماً عني، إذ تذكرت مراجعاتي العديدة لنقابة المحامين ببغداد، ألتمس راتباً تقاعدياً بعد حوالي نصف قرن ((ممارسة فعلية وانتساباً)) للنقابة، أحمل خيبتي، ألملم حاجياتي، وأقدم موعد عودتي لبلاد الإفرنج. من يوقف حزن العراقي وهو يعامل في وطنه كالغريب، ويحاط بالإنصاف والعدالة في بلاد الغرباء؟ " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Khalid muften

    من العار أن تغدق أموال العراق على كل من هب ودب وتسكع في إيران وسوريا ورفحا وتمنع عن الأحرار والشرفاء والوطنين.

  2. عدي باش

    الرحمة و الذكر العاطر للفقيدة الفاضلة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram