علي حسين
يوميا أتلقى العديد من الرسائل ، يسألني أصحابها الأكارم : ما نفع الكتابة عن بلاد يريد لها ساستها أن تسير من سيئ إلى أسوأ ؟، ولأنني مثل كثيرين من الزملاء يدركون جيداً أن الإعلام الحر يمثل هاجساً مقلقاً لأي مسؤول حتى لو كان نزيهاً،
فما بالك ونحن نعيش وسط غابة مليئة بالمسؤولين الفاسدين والفاشلين، الكثير منهم لم يتعود على الجدل والمناقشة، تربوا على فكرة السمع والطاعة، وبالتالي فمن المنطقي أن لا يبالوا بما نكتب فهم يطبقون مقولة ميكافيللي الشهيرة : " التاريخ علمنا أن الحاكم يصل إلى السلطة على أكتاف البسطاء… والباحثين عن فرصة للعيش " ، بالمقابل وللأسف هناك قطاعات مسلوبة الإرادة تتعلق بذيل الفاشل ، بخطاباته، بأناشيده الطائفية.
ماذا يفعل كاتب عمود مثلي للبعض ممن يجبرهم غياب الشحن الطائفي للتعلق بأذيال مسؤول انتهازي ، والدفاع عن نائبة تعتقد أن مجلس النواب مجرد سوق هرج ، ماذا تفعل مع صحفي لا يزال مصراً على أن المعركة ليست مع الفشل وسرقة المال العام ، وإنما مع بعض الإعلاميين ، ما الذي يمكن أن تقوله لكاتب يتصور أن الفشل في بناء منظومة صحية أو تعليمية متطورة هو ظهور يحيى الكبيسي على الفضائيات ، وأن المسؤولين أبرياء من الفساد براءة الذئب من دم يعقوب؟ .
ماذا يفعل كاتب عمود مثلي وهو يرى أن البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشاقها أحزاباً وكتلاً سياسية، ويرقصون في طقوس عبادتها. من أجل العيش في دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة ، ماذا نفعل نحن الكتاب، عندما نقرأ عريضة الشكوى التي تقدم بها رئيس المحكمة الاتحادية ضد أحد الصحفيين ، لأن هذا الصحفي تجرأ ونشر خبراً أزعج القاضي ، ولهذا يتطلب أن يمنع هذا الصحفي من العمل ، ليعيش بعدها المجتمع بأمان وسعادة.
أصرت القوى السياسية أن تقول للمواطن العراقي بعد عام 2003 : " إرفع رأسك يا عراقي فقد مضى عهد الاستبداد " وأظن أنه بعد عشرين عاماً وجدنا من يطالبنا بأن نخفض قاماتنا ، فنحن نعيش في دولة الممنوعات .
كان يكفي المسؤول العراقي ، أن يتطلع من نافذة سيارته ليرى أن العراقيين يقولون له إنهم لم يعودوا يتحملون التجارب الفاشلة والفاسدة . وإن العراق دولة لا مركز تدريب على نظام السمع والطاعة ، وإن من يفشل يفقد الحق في تكرار تجربته في السلطة مرة أخرى ، وأعتقد لو عرف بعض مسؤولينا بماذا يتحدث الناس عنهم في الشارع .. لشعروا بالخجل .