علي حسين
أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً ، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر الناس يتطلب من الكاتب أن يسعى كل يوم إلى الاطمئنان على أنّ العلاقة بينه وبين القارئ لم تدخل في مرحلة ” الضجر واللامبالاة ” ، وأن الكلمات حاضرة ومؤثرة.. وأن نافذته لا تزال تحمل طعم ومذاق مائدة عامرة.
كثيراً ما تلقيت رسائل الأصدقاء والقرّاء ، البعض يسأل ومنهم مَن”يلوم”، لأنني ما زلت أتابع سهريات البرلمان ، والبعض الآخر يعاتبني لأنني توقفت عن ملاحقة الحيتان الكبار ، وأمسكت بتلابيب عالية نصيف ، وأبو مازن ، ونسيت أن البرلمان تحول إلى منصة للشتائم القبيحة كان آخرها صرخة السيد محسن المندلاوي القابض على كرسي رئاسة البرلمان وهو يهلل داخل القبة وأمام الكاميرات بعبارة أعتذر عن ذكرها ، وبعضلات للنواب تذكرنا بعضلات بطل فيلم روكي ، والاختلاف أن روكي في الفيلم لم يشتم أحداً، بينما روكي في قبة البرلمان لم يترك لفظاً مسيئاً يعتب عليه .. أنا والأعزاء القراء نعرف جيداً أن برلماننا العزيز يسعى وبجدارة لزيادة مساحات الخراب والفشل حولنا .
يعرف الجميع : أن رجل السياسة في العراق مادة دسمة للكتابة الساخرة ، ولكن ياسادة ياكرام ، سوف يظل الفارق كبيراً في الحجم بين ما نكتبه ، وسخرية السيدة عتاب الدوري التي اكتشفنا مؤخراً أنها :” نبض الشارع العراقي وصوته المدوّي ” وهي تشرح لنا مسألة معضلة القضاء على المدعو ” أبو بريص ” ، وأتمنى أن لا تجرف الصحافة السيدة حنان الفتلاوي ، وتنافس الفقراء من أمثالي على أرزاقهم .
هل نحن شعب لا يحب السخرية ؟ لماذا نصر على أن ندشّن كل صباح من أيامنا الكئيبة، بحثاً عن حزنٍ ، لنجد أنفسنا حزانى ، متشائمين، نتحرك فاغري الأفواه، ننظر إلى وجوه أبطال المسلسلات الباكية، لم نحتمل وجود ساخرين كبار من أمثال حبزبوز ” الذي مات معوزاً، وسليم البصري ” الحاج راضي” الذي اقتصّت منه الكآبة وضيق الحال لتنتهي حياته وهو لا يملك ثمن علبة سجائر.
كان المفكر الإيراني الراحل، علي شريعتي، ، يقول "إن الكاتب الذي يتجرّد من مجتمعه ، هو الخطر الأكبر على هذا المجتمع ، حتى إنْ صعد على عرش المفكرين بالعالم، ليبقى مجتمعه على الانحطاط نفسه، ولو جاء أبو ذر الغفاري بدلاً من آلاف من أمثال الكتّاب الذين لا لزوم لهم، لتخلّصت مجتمعاتنا من التخلف وأنظمتها الدكتاتورىة الحاكمة".