اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الأفكار وصراع الحوادث في رواية (عاشق ومعشوق ) لأحمد ربيع

الأفكار وصراع الحوادث في رواية (عاشق ومعشوق ) لأحمد ربيع

نشر في: 28 مايو, 2024: 11:06 م

علي لفتة سعيد

يحيلنا عنوان رواية (عاشق ومعشوق) إلى أكثر من دلالةٍ تأويلية.. فهو عنوانٌ يجمع الكثير من الأدلّة لكي يتم التحكّم بالدليل المقصود،

وهو البوابّة الأولى التي يدخل منها المتلقّي إلى مدينة الرواية وحكايتها وفكرتها، ويكتشف بعدها أنه الإطار العام لكلّ مراحل الإنتاج الروائي. فهو يحيل إلى الحب والعشق، ولكن هل بين ذكرٍ وأنثى؟ هل واحدٌ في العنوان يؤدي إلى الإحالة الوصفية للذات؟.. لكنه مع ذلك يحيل إلى الحالة الصوفية والعرفانية التي تعتمد على العشق في الاستدلال إلى المنطقية التأويلية، ويحيل إلى عملية تقمّص لوجوهٍ عديدةٍ داخل النص ليكون حبل الربط. لكن الأحداث التي تشهدها الرواية من فعالياتٍ ترتبط بالشخوص تارةً، والمكان تارةً أخرى وبالفاعل التاريخي تارةً ثالثة، والبعد السياسي تارةً رابعة. وبعيدًا عن رفع (أل) التعريف في الكلمتين، وجعلهما نكرتين، لتكون محدّدة الأوصاف والمرام والقصديات، فإن العنوان يمسك بالمتلقّي كي يكون متفاعلًا باحثًا عن عملية الإدراك والإجابة على السؤال.. من هو العاشق من كلمة (عاشق) ومن المعشوق من كلمة (معشوق). لذا سيبدأ المتلقّي بالبحث عن الإجابات، وإن كان يدرك أن (معشوق) هي الإحالة بالإضافة مرّة، وبالوصف مرّةً أخرى، وبالتكرار مرّة ثالثة، وربما رابعة، إنها عملية اندماج أوّلي لتبطين القول بصيغةٍ غير مباشرةٍ للحالة الصوفية المقصودة. وأيضا مرّة خامسةً، وهو ما يكون عليه الحال، إن الأنثى هنا هي (معشوق) في عملية إدغام لغويةٍ وقصديةٍ معا. وربما هي قصديةٌ مغلّفةٌ بالاتجاه المعاكس، لواقعٍ سياسي راهن في البلدان العربية.

الفكرة والحكاية

الرواية تنقسم إلى فعلين متجاورين في الأحداث.. الفكرة العليا التي يريد إدخالها في ثوب الحكاية، مثلما يريد للحكاية أن تكون وتخلق وتطرق الأبواب. فالروائي صنع المكان وخلق الشخصيات وأدار الأحداث بثلاثة طرق رئيسية:

الأولى: من داخل الورشة الأرابسيكية إلى الخارج.

الثانية: من خارج الورشة إلى الداخل.

الثالثة: من داخل الأماكن الأخرى وخارجها أيضًا.

لتكون المعالجة هي إشغال الحيّز الزمني والمكاني بين الاثنين، لإنتاج الواقعة الحكائية، عبر تقشير حوارات الشخصيات من جهة، وما يبثّه المنتج في المتن السردي من جهةٍ أخرى.. الرواية لا تأتي طيِّعة، ليس باستخدام لغةٍ شعريةٍ أو طريقة إنتاجٍ متعاقبةٍ غير متسلسلة، بل لأن الفكرة هنا أخذت حيّز المكان القصدي- الورشة - التي تعني صناعة الأخشاب، وما يعني الربط التأويلي في صناعة الحياة ومشاكلها وصراعاتها، ويردي ذلك إلى سيطرته على اللعبة التدوينية. بمعنى إن المنتج/ الروائي أراد من الحكاية أن تعطيه الحرية لقول الميل السياسي، وتقشير الواقع الجديد، الذي هيمن على المجتمع، من خلال تعاقب الأجيال، وأيضا من خلال عائلة لديهم الورشة، التي تصنع الجمال، وهم موزّعون بين الهامش والوسط الاجتماعي والقمة الاجتماعية، لكنهم أمام القوّة الكبرى في صراع معهم، كونها تريد استغلال هذا الجمال لصناعة القبح. وكذلك لا يريدها أن تكون مباشرةً فتضع القصديات بطريقة البثّ، من خلال تفاعل التأويل، لذا جعل جمله الغائية متّصلةً بالواقع الإنتاجي للورشة، ومتّصلة بالواقع الحواري للشخصيات: (بورسلين إسباني، رخام بلجيكي) وكذلك ما يتمّ الحديث عنه في المتن الحكائي، ليكون هو ذاته المبنى السردي المتّصل بالواقع السياسي، مثلما هو متأصّل بالواقع التاريخي الذي أُريد له أن يكون عقدًا للمقارنة. مثلًا: (مصور الملك، الملك ذاته.. قانون الاصلاح الزراعي.. رجل مظلوم . رفيق شهدي..) وغيرهم من الشخصيات التي تتناوب ما بين الواقع الحاضر، والماضي الذي لم يزل مسيطرًا على الواقع الحالي الذي صار شيئًا من منظورٍ عام. ولهذا نجد أن الأمر مرتبط بناحيتين متلازمتين متعامدتين يسيران بخطٍ مستقيم.. المتن الحكائي، والمبنى السردي / الحكاية والفكرة/ توحّد المكان بالزمان/ بثّ الآراء السياسية والواقع الاجتماعي/ المتن الحكائي، الحوارات / التصوير المشهدي والإخبار.. ولهذا كانت الرواية طويلة كونه احتاج إلى عدّة مقوّمات للمسك بالقصديات، ليسهّل على المتلقّي عملية التأويل. وهو أمر أتاح له إيجاد عددٍ من النقاط المهمة:

أولًا: إنها روايةٌ لا تريد الانغماس في التاريخ، لكنها تستلهم ما يفيد المنظومة الفكرية الكلية للرواية.

ثانيًا: إنها روايةٌ اجتماعية انفرشت على عدّة أماكن واقعية، كلّما احتاجت المنظومة الحكائية، ممّا ييسّر لها التراتب المكاني، من أجل تفعيل واقعية الزمن.

ثالثًا: إنها روايةٌ سياسية أطَّرت مبناها السردي على أساس القوة التي تعطيها الأفكار السياسية، من خلال بثّها عبر الحوار تارة، وعبر المتن الحكائي تارةً أخرى.

رابعًا: إنها روايةٌ تمازج ما بين الروي الشفاهي عن طريق الراوي العليم، الذي كان فاعلًا في سيطرته على الأحداث المترامية.

خامسًا : إنها روايةٌ تسعى إلى الإمساك بالرأي الذي يعطي أكله، من خلال طرح الأسئلة، وليس من خلال تفاعل الإجابات التي يعطيها الحوار أو المبنى السردي وحتى المتن الحكائي.

سادسًا: إنها روايةٌ تسعى إلى إعطاء المتلقّي والقارئ فرصة التماهي مع القصدية الكلية المتّصلة بالعنوان، من خلال البحث عن ماهية العاشق، والبحث عن فرضية المعشوق.

سابعًا: أنها روايةُ الواقع الحقيقية، ضمن الواقع المصري، الذي يفهمه المتلقِّي المصري ويعرفه المتلقِّي العربي، من خلال الضخّ الإعلامي، لكنه غير مرئي بشكلٍ واضح، والرواية تسعى لجعله واضحًا وملموسًا، وإعادته من أجل أن يكون المتلقّي قادرًا على الإمساك بتفاصيل الفكرة.

تقشير المستويات السردية

لأن الرواية متّسعةٌ، فإن مستوياتها الكتابية ولعبتها التدوينية، لا تبدأ من حيث الانتقال من الخاص إلى العام، أو من الداخل إلى الخارج، بل من كلّ الاتجاهات. لهذا فقد كان الراوي مثقّفًا واعيًا، وهو الذي يمسك بالمصباح اليدوي، لكي يسلّطه على المكان الذي يريده، ومن ثم رسم الأحداث على هذه البقعة الضوئية، ولأجل أن تكون الرواية متّسعة، أو لأن فكرتها وحكايتها واسعة، قسَّمها إلى عناوين تحمل شخصيات من يقع عليها دور المناقشة والروي: (سلميان فهمي سليم، خيرية فهمي سليم، فوزية فهمي سليم، مصطفى فهي سليم، أميرة فهني سليم، حمدي فهمي سعيد،) وأمام هذه الأسماء التي تبين أنها لعائلةٍ واحدةٍ، يتبع المنتج الروائي لعبته على أساس أنها روايةٌ متعدّدة الأصوات، فيبدأ بسليمان وينتهي به، كأنه يناغم الفعل السياسي من خلال الفعل الاجتماعي. بالرغم من أنه وضع عنوانًا لفصل أسماه (التحوّل) بين فصول الشخوص، وكان فصلًا مازج فيه الرؤية الفنية مع اللعبة، من خلال تفاعل المستويات السردية، وهو بهذه الطريقة تبنَّى طريقة اللعب لتقسيم الوقائع التي يمكن أن تدخل من باب التفاعل النفسي لكلّ شخصية وارتباطها بالصراعات الأخرى لذات الشخصيات، وكلّ شخصية لها آراؤها الخاصة التي انبنت من خلال تفاعلها مع هذا الحدث السياسي أو تلك الظاهرة الاجتماعية أو الأثر التاريخي والديني أيضا. ولهذا جعل من كّل قسمٍ، مجموعةً من الفروع التي جعل لها فواصل على شكل نجوم، وهي لعبةٌ ليست للانتقال المكاني، بقدر ما هو انتقالٌ فكري،ٌّ للبحث عن مكنونات الشخصية وما يرتبط بها.

إن المستويات السردية في هذه الرواية انبنت على كتفي المستوى الإخباري، وهو المستوى الذي جعله بالإمكان أن يبثّ الأفكار بصراعاتها المختلفة، وكأنه أيّ الروائي لا يريد أن يتبنّى كشفًا أو رأيًا محدّدا، رغم عدم التخلّص من الانحياز على الأقل للمعلومة التي صارت قارةً لدى كلّ طرف.

إن هذه الآراء كانت تعتمد على المستوى الإخباري بشكلٍ كبير، لكنه أي هذا المستوى، ارتدى لباس المستوى التحليلي في مراحله العديدة، وهو هنا يأتي لتعديل ميزان القوى بين المتن الحكائي والمبنى السردي من خلال:

أوّلًا: إن الرواية حافلةٌ بالبؤر الصراعية والحكائية، وبالتالي انعكاس الأمر السياسي الذي تحتكم إليه كلّ جهة . لذا وضع الراوي على لسان متنه ما يمكن أن يؤدّي إلى الإخبار والتحليل معا:

(ساعده «السادات» الذي اطلق الإسلاميين لمواجهتنا، لكن «مبارك» خنقه بخيطٍ حقيقي حين أفرج عنه بعد حادثة المنصة، لكنه منعه من الخطابة. وتنازل هو بدوره عن كلّ حقوق الطبع والتسجيل، وترك الماديات رغم ما كان يحققه من نجاح) ص 204.

ثانيًا: إنه أراد ألّا يكون طرفًا في الصراع، لأن الرواية فيها من الجرأة ما يمكن أن يعطي انعكاسًا على الأفكار التي يحملها الروائي، فجعل راويه يرد بطريقة الإخبار من خلال المتن الحكائي مرّة، أو التعاكس في الحوار مرّة أخرى:

(بوجود هذا الصقر المتحفز إلى جواري، بعقلانيته الشديدة، ووقوعي المضطرب ما بين الإنسان والدين، تزداد الحيرة ما بين الرقصات الإبداعية الرائعة لنساء أعرف أنه سيعترض على ارتدائهن ملابس رياضية ضيقة تفصل أجسادهن، وتكشف عن أذرعهن ونهودهن، وتحدد موضع العفة منهن، وشرقيتنا التي سيتحجج بها وعدم ملائمة ذلك لا لديننا ولا لتقاليدنا) ص212.

ثالثًا: إنه بهذا المستوى أتاح له بثّ ما يريد على لسان الشخصيات، وبالتالي التلاعب في أن يكون الروي سواء بطريقة الغائب، أو بطريقة المتكلّم، وهو انتقالٌ تفرضه طبيعة المتن الحكائي. وهي فترةٌ يلتقط فيها الأنفاس، من خلال جعل المستوى الإخباري فيه يتنوّع في الديناميكية، خاصة في منطقة البداية لكلّ فصلٍ أو مقطعٍ في الفصل:

(هذا أوان الرغبات الخاطئة والحماقات المكبوتة، الفقر الذي يقسو والعقبات التي لا تواجه، أنا بطل بلا نياشين سواهم، فهل اعترفوا، أم صارت مجلّدات تاريخي مجرّد طعام للعث، وصرت أنا سجنًا للحياة وفردوسًا للموت والهزيمة؟ إن كان رغيف اليوم من خميرة الأمس فماله صار بتلك المرارة، وكل عجيني كان طازجًا، وفاخرًا!) ص10.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت

حوار مع الروائية الفيلسوفة أيريس مردوخ : الرواية الجيدة هي هِبة للإنسانية

"الزنا".. أحدث روايات الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو

هل دجلة الخير للجواهري نهر؟

كيف تموت منتحرا؟

مقالات ذات صلة

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني
عام

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني

د. نادية هناويمنذ ثورة أوروبا الصناعية في القرن التاسع عشر، والعالم غير الصناعي ينظر بعين الريبة إلى المستحدثات الصناعية والمبتكرات العلمية، متوجساً مما ستصل إليه الثورة العلمية من اختراعاتٍ وتقنياتٍ، فيضع احتمالاتٍ مستقبليةً فيها...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram