علي حسين
أتابع مثل جميع سكان بلاد الرافدين .. الصولات التي يقوم بها البعض ضد تاريخ هذه البلاد .. فبعد أن طالب البعض بطرد أبو جعفر المنصور من بغداد ، فيما اقترح عدد من الجهابذة أن يستبدل اسم شارع الرشيد الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى خرائب ، حيث يرى البعض أن الحل الأسهل، لمشكلة الكهرباء وغياب الخدمات وارتفاع نسبة الفقر ومعها البطالة ، هو إشغال الناس بمشاهد مأساوية تثبت للعالم مستوى الجهل الذي حط رحاله في ربوعنا .وكان آخر المشاهد القرار الذي اصدرته إحدى البلديات في محافظة ذي قار برفع تمثال للملك السومري كوديا من إحدى الساحات بحجة أنه " صنم" ، وفي بلاد " المؤمنين " لا يجوز وضع تمثال لصنم .. الخبر الذي أثار ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مواطنون عراقيون عن مشاعر الأسى وهم يشاهدون رافعة تزيل النصب من مكانه ، لم يلق اهتماماً من الجهات الرسمية ، فماذا يعني رفع تمثال لرجل عاش قبل أكثر من ألفي عام؟ .. لكننا ياسادة يمكن أن نرفع السيوف في وجه البعض ونشعل الحرائق الطائفية من أجل أحداث مرت عليها مئات السنين .
وأنا أنظر إلى الهجمة التي قادها أعضاء المجلس البلدي ضد المرحوم كوديا تذكرت ما جرى في مصر بزمن الأخوان المسلمين حيث طالب البعض بهدم الأهرامات لأنها حرام.. وكيف انهالت فأس أخواني لتقطع رأس طه حسين، وهي نفس الفأس التي رفعتها عصابات داعش في الموصل ضد كل ما يمت للحضارة بصلة.
ذات يوم كان العراق يزهو بأعمال محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهما الجيل العملاق قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم، وعبد الله إحسان كامل، ومعهم العشرات يملؤون مدن هذه البلاد ، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه إلى بغداد، وتحول العراق إلى منارة، تتلاقى فيه الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لهذه البلاد أن تكون بلاداً متعايشة، متسامحة، والأهم تعبق بألوان لوحات فائق حسن وعطا صبري وفرج عبو، وشهرزاد محمد غني حكمت ، وأيقونة جواد سليم نصب التحرير ، ولم يكن يدور بخلد هؤلاء أن تتحول مدن العراق إلى خرائب، يريد القائمون عليها أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.
للأسف لو كان لدينا برلمان فعلي، لو كان لدينا رأي عام مؤثر وفاعل، ، لو كان هناك من يحاسب الفاسد وسارق المال العام والمرتشي، لما تعرض المرحوم "كوديا" لهذه الهجمة "الايمانية".