الموصل / سيف الدين العبيدي
تُعدُّ عودة النشاط السياحي إلى محافظة نينوى من أبرز الإشارات الإيجابية التي شهدتها المدينة خلال السنوات الأخيرة، حيث كان القطاع السياحي مزدهراً قبل عام 2003 في «أم الربيعين» بفضل مقوماتها السياحية الفريدة، من طبيعة خلابة، ومناخ معتدل، ومواقع أثرية وتراثية، فضلاً عن الاستقرار الأمني. كان المجتمع الموصلي آنذاك يستقبل السياح من مختلف المحافظات العراقية والدول الأجنبية بحفاوة وترحاب.
لكن، على الرغم من استعادة بعض هذا النشاط، لا تزال هناك تحديات عدة تعوق تطوير السياحة في المحافظة أبرزها نقص التدريب للكوادر العاملة في الفنادق والمطاعم والمقاهي، حيث تفتقر 95% من القوى العاملة في هذه المنشآت إلى التدريب الكافي. هذا النقص في المهارات يؤثر بشكل مباشر على جودة التعامل مع السياح، وهو جانب حيوي يجب التركيز عليه لضمان تجربة سياحية متكاملة. بناءً على ذلك، تتطلب نينوى برامج تدريبية مكثفة لتأهيل العاملين في القطاع السياحي.
كما تعاني المدينة من إهمال كبير في إعادة ترميم المواقع الأثرية التي تعرضت للدمار، إلى جانب نقص في المواقع الترفيهية المناسبة للسياح. لذا، ينبغي على الحكومة توفير تسهيلات استثمارية لزيادة عدد هذه المرافق وتحسين الخدمات المقدمة، مع فرض رقابة على الأسعار لتجنب استغلال الزوار.
إحصائيات القطاع السياحي
وفقاً لإحصائيات هيئة السياحة في نينوى، شهدت المدينة تطوراً ملحوظاً في مرافقها السياحية منذ عام 2014 وحتى 2024. حيث ارتفع عدد المطاعم من 33 إلى 87، والمقاهي من 10 إلى 88، بينما تراجع عدد الفنادق من 24 إلى 18، مما يشير إلى حاجة ماسة لزيادة عدد الفنادق. وعلى الرغم من هذا التطور، خسرت نينوى العديد من مرافقها السياحية بسبب الدمار الذي شهدته في عام 2017.
منذ عام 2021، ظهر دور المرشدين السياحيين في نينوى بشكل بارز، حيث كانوا يعملون في البداية بشكل تطوعي لتعريف الزوار بمعالم المدينة. ومع مرور الوقت، بدأ المرشدون باستقبال عشرات السياح يومياً، خاصة من المحافظات القريبة مثل صلاح الدين وكركوك، بالإضافة إلى رحلات من بغداد في المناسبات.
التحديات التي تواجه السياحة
أوضحت الدكتورة إخلاص السليم، مديرة إعلام هيئة السياحة في نينوى، أن هناك تحديات كبيرة تواجه القطاع السياحي في المحافظة، منها غياب مصرف مخصص للتنمية السياحية، وضرورة تأسيس نقابة للسياحة. وأضافت أن آلية الاستثمار الحالية لا تدعم تطور القطاع، مشيرة إلى الحاجة إلى زيادة الوعي بين المواطنين حول أهمية السياحة ودورهم في الحفاظ على المرافق السياحية.
وشددت السليم على أهمية الإعلام في الترويج للسياحة في العراق، مؤكدة ضرورة تسليط الضوء على المواقع الأثرية والتراثية من خلال وسائل الإعلام، والتعاون مع السفارات للترويج للنشاطات الثقافية والفنية بهدف جذب المزيد من السياح.
وفيما يتعلق بتطوير العاملين في القطاع السياحي، ذكرت السليم أن هيئة السياحة نظمت ورش عمل بالتعاون مع شركات سياحية لتدريب الخريجين. ومع ذلك، لا تزال فرص العمل في القطاع الخاص محدودة، حيث يفضل المستثمرون توظيف عمالة غير مدربة بتكاليف أقل، مما يؤثر سلباً على جودة الخدمات المقدمة للسياح.
واقع السياحة في نينوى
أكد الدكتور محمد نايف، عميد كلية العلوم السياحية بجامعة الموصل، أن السياحة في نينوى شهدت انتعاشاً ملحوظاً بعد عام 2017، رغم الدمار الذي لحق بالمدينة. وأوضح أن القطاع الخاص لعب دوراً مهماً في تطوير السياحة من خلال إنشاء مراكز تجارية ومطاعم جديدة، لكن لا يزال عدد الفنادق غير كافٍ لتلبية احتياجات المدينة المتزايدة وعدد الزوار المتنامي.
وأشار نايف إلى أهمية تطوير وسائل النقل وإعادة ترميم المواقع الأثرية لتعزيز القطاع السياحي، مشدداً على ضرورة فرض قوانين تلزم القطاع السياحي بتوظيف الخريجين من كليات السياحة للمساهمة في تطوير الخدمات والارتقاء بجودة السياحة.
من جانبه، أوضح المرشد السياحي أحمد مخلف أن السياحة «السوداء» ظهرت في الموصل بسبب الدمار الذي لحق بالمواقع الأثرية والتراثية. وأكد أن الموصل القديمة تستقطب يومياً العديد من السياح الأجانب الذين يزورون معالم بارزة مثل «منارة الحدباء»، و«جامع النوري»، و«مملكة الحضر»، مما يعكس الأهمية التاريخية لهذه المدينة في جذب السياح.