TOP

جريدة المدى > اخبار وتقارير > فخري كريم يكتب: تَرجّل أيها الفلسطيني.. استعد الحجارة وتشبث بالأرض!

فخري كريم يكتب: تَرجّل أيها الفلسطيني.. استعد الحجارة وتشبث بالأرض!

نشر في: 11 فبراير, 2025: 11:00 م

بغداد/ المدى

كتب الاستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون مقالاً حول ما يجري في فلسطين وتطورات المنطقة، ننشر نصه كاملاً:
ثمانية عقود وأربع سنوات ولّت على "أمة العرب" منذ "نكبة فلسطين" وشعوبنا مكرهة على ذل العيش في كنف أنظمة وحكومات متعاقبة، ظلت ترفع شعار التحرير واستعادة القدس وبسط سلطة الدولة الفلسطينة التي قد تؤرخ للحظة الانبعاث الموؤود..!
وخلال هذا التاريخ المُنكسر، لم تنكمش أماني أجيال الفلسطينيين المتعاقبة أو تتآكل بفعل نزوات الحكام المهمومين بنزعة توارث السلطة وإطفاء جذوة الامل بالحرية وإكتشاف الذات وتأكيده. بل ظل تطلعهم رهينة للغلو واللاءات الصبيانية السياسية "المُراهِقة" لتنظيماتٍ وقياداتٍ أرهقت الشعب الفلسطيني وأضعفت طاقته على مراكمة عوامل القوة ومصادر الحكمة والعقل المنفتح على الظروف والإمكانيات وبيئة الجمع بين كل الوسائل المتاحة والثغرات المعيقة لتحقيق تقدمٍ يكرسُ مساراً للتجاوز والحل والاقتراب من تأكيد الذات المُصادَرة واستعادتها.
على مدى أزيد من ثمانية عقود من عمر النكبة وانكساراتها، ظلت الشعوب العربية أسيرة قوانين الطوارئ، وتقييد الحريات والقمع وتتابع أنظمة الاستبداد، والحرمان والتخلف تحت شعار مواجهة
"العدو الصهيوني" و"الكيان اللقيط" وتمكين "الأمة العربية" برفع جاهزية جيوشها بتبديد الثروات والميزانيات على الجهد الحربي والتسلح بافتراض خلق التوازن ، بل "التفوق"، إن أمكن تكريس المزيد من الموارد حتى أصبحت أغنى الدول البترولية أحياناً، تعاني من عجز في ميزانياتها السنوية، وتراجعت دول من بينها الى أدنى مستويات التخلف والإفقار والتردي الاجتماعي والإقتصادي والثقافي بين الامم والشعوب وركب الحضارة الإنسانية.
وبدلاً من تحقيق اختراقٍ يعيد الاعتبار الى الإرادة العربية وقدرتها على تعبئة قواها بما لها من ثروات وموارد ومصادر كامنة للتحدي وردع "استفزاز الكرامة" تتسع دائرة التهديد الوجودي للشعب الفلسطيني وحقه المشروع في دولة وطنية تجسد كينونتهه التاريخية، قابلة للاستمرار والتقدم والنهوض، بل تتزايد التحديات ضد الدول العربية باستهداف كياناتها القائمة "الهشة" القابلة للتطويع على الضد لما تتطلع اليه الشعوب وخلافاً للمصالح الوطنية العليا.
إنها القوة الغاشمة المدججة بالأسلحة الفتاكة المدعومة بلا حدود من الولايات المتحدة وأوربا وطيش العدوان المنفلت من أي رادعٍ أممي، مستهدفة تلك الثغرات والانقسامات بين الدول والقوى والتنظيمات في العالم العربي، وتحويلها القضية الفلسطينية على مدار الصراع منذ النكبة الأولى الى ملعب مفتوحٍ "عبثي" للصراعات العربية - العربية، وساحة لتصفية الحسابات بين أجنحة ما سُمي في مرحلة ممتدة، بحركة التحرر الوطني العربية، ثم بين جبهة الصمود والتصدي، والدول"الرجعية المتواطئة"، لتتوج بجبهة المقاومة الاسلامية بقيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية وقوى الاستسلام..!
إن هذه الخلافات والاختلافات في الرؤى والتوجهات، ليست مظاهر ذاتية النزوع، وانما هي دون شك تعبيرات عن التشوه التكويني للبلدان العربية وتركيباتها المتنافرة وتنوعها غير المنسجم في أكثر من حالة، ولكن ذلك يعود أيضاً الى مستوى التطور المتفاوت للدول العربية من حيث الثروة والتنمية وانعكاس ذلك في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وذلك يقود موضوعياً إلى تكريس النزعة القطرية وتوسيع دائرة الاختلاف والافتراق، خصوصاً مع غياب المتوازن في ما بينها وتقاطع السياسات والتوجهات والتحالفات بين أنظمتها السياسية مما يؤدي بالضرورة الى تعميق الهوة بين دول فقيرة الموارد وأخرى بالغة الغنى.
وفي سياق الإحاطة بتطورات الصراع العربي الاسرائيلي، وتقييم الكفاح الوطني الفلسطيني وتضحياته وأساليب نضالاته، يكون مُخلاً عدم التوقف عند أدوار التيارات المُنَظِمة الفلسطينية سواء على مستوى الأفكار والتوجهات، أو وسائل وأساليب الكفاح وأدواته وتوقيته بالارتباط بين الظروف الذاتية والموضوعية وتوازن القوى. ومن العبث أن يجري إغفال معايير واحتمالات الخسائر في الأرواح والممتلكات وتطور أو تراجع موقع ومكاسب القضية عربياً واقليمياً ودولياً. إن إغفال الضرر الكبير بالأرواح والممتلكات والمكانة والمكتسبات، والاستخفاف باستنزاف واستنفاد طاقة الشعب الفلسطيني وانحسار التفاعل والدعم والتفهم العربي معه، بوجه خاص في كل منازلة وردعٍ لعدوان إسرائيلي.
ومن بين الإحاطات المطلوبة للتقويم والمراجعة أو سوى ذلك من أسباب الارتقاء بالكفاح الشامل العربي الفلسطيني - الإسرائيلي، التوقف عند تعدد قوى المواجهة من حيث التنظيم أو الفكر والتوجه السياسي بل والارتباط أو الموالاة خارج البيئة الفلسطينية وتحول كل منها إلى ذراعٍ ينفذ أجندة الغير ويخوض المعارك والمغامرات نيابة عنه ووفقاً لما تتطلبه مصالحه العليا والتوقيتات المناسبة. حتى وإن أدى ذلك إلى إلحاق أفدح الخسائر والأضرار بالشعب الفلسطيني وقضيته.
إن نهوض الحركة الجماهيرية الفلسطينية في الأراضي المحتلة التي جسدتها انتفاضات الحجارة، لقيت أوسعٍ تضامن عربي وإقليمي، وتركت آثاراً إيجابية بين الأوساط المؤثرة في الرأي العام العالمي والحقت تصدعاً ملموساً داخل المجتمع الاسرائيلي وانعكست في صيغ القرارات والتوصيات وإلإدانات الأممية داخل اروقة الامم المتحدة وخارجها. فالنضال بكل الوسائل المتاحة على أرض الوطن ضد الاحتلال والضم والتهجير حقٌ مشروع للشعوب والأمم تقره المواثيق والقوانين والشرائع التي تحكم العلاقات بين الدول والشعوب. وإسرائيل ليست محتلة ومغتصبة، بل إن ما انتهجته وتكرسه في سياساتها وسلوك قياداتها في توسيع مستوطناتها وإقامة المزيد منها على حساب تجريف الأرض الفلسطينية وتشريد أصحابها الشرعيين يعكس أفعالها وليس نواياها التوسعية مما يفضح إدعاءاتها وعرابيها بأنها تبحث عن حلٍ يضمن أمنها وسلامة مواطنيها.
ومع عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض، تصاعدت النزعة العدوانية بوتائر قلما شهدتها حروبها ووسائل قمعها رغم انها دائماً اتسمت بطابع الإبادة الجماعية والتوجه لتصفية القضية الفلسطينية والتوسع على حساب أراضيها.
وقد شهدت عودة ترامب المثيرة لشغب دولي لم يسبق له مثيل، نزوعٍاً يكشف بوضوح سافر هذه المرة أنه لا يستهدف توسيع الدعم المتعدد الجوانب على كل صعيد لإسرائيل، بل والإعلان الفاضح لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي في إطار حلٍ سياسي، عبر العبث بأمن دولٍ عربية وتغيير خرائطها واقتطاع الأراضٍي منها تحت عناوين مختلفة كإقامة مساحاتٍ آهلة لتوطين من يجري تهجيرهم من غزة كهدفٍ آني ثم لتتحول الى وطن بديل على حساب سيادة تلك البلدان واستقرارها. ولم يعد قابلاً للاستهلاك "تسكيناً" للتحرك العربي الرسمي على كل المستويات، لغض النظر عن هذه المخاطر وتخفيف تأثيرها، بان كل ما يقال من امتلاك غزة وضم الضفة وإطلاق يد نتنياهو وعتاة الصهاينة المتطرفين في مواصلة حرب الإبادة، مجرد بالونات اختبار تهدف في نهاية المطاف الى تمرير مشروع الدولتين!
إن هذا الغلو في نهج البيت الأبيض، المُعَبر عنه في خطابات ترامب وقراراته بشأن غزة والقضية الفلسطينية عموماً، ومشاريع التهجير والتوطين، بات يهدد أمن المنطقة بأسرها والدول العربية مباشرة ويحوّل الإنذارات التي تنطوي عليها "فرماناته" الى إلزامٍ لدول عربية بعينها ومن خلالها للمجتمع العربي برمته، للاستسلام الذليل وهو ما ينبغي أن يكون في أساس الموجهة العقلانية الشجاعة لمؤتمر القمة المزمع عقده بعد أيام في القاهرة.
وقد يعود الحديث الى تحديات السياسة الإيرانية ومغامرات أذرعها المسلحة وتحويل أراضٍ عربية الى ساحاتٍ لخوض معاركها واختطاف القضية الفلسطينية عبر أطراف منها وتطويعها لسياسات ومصالح استراتيجية، فهذا سيتراجع دون شك إذا ما تبنى القادة العرب نهجاً يجسد تطلع الشعوب العربية ويعكس الأماني الفلسطينية. ولكن مثل هذا النهج والسياسة العربية لا يتكامل ولا يكتسب طابعه الفعال دون إصلاحات تعيد الاعتبار للمواطن بوصفه فاعلاً حراً ومشاركاً مسؤولاً في الدفاع عن وطنه والمساهمة في نهوضه ومستقبله.
ورغم مشروعية التوقف عند ما يستوجب تقييم "طوفان الأقصى" وحماس، لكن ذلك لا يعني التشويش على ما هو جوهري وآني من موقف موحد رسمي مدعوم شعبياً لمواجهة "طراطيش" ترامب "غير العنترية"، لأنه حامل شفرة الصندوق النووي!
إن ترامب الثاني يدير البيت الأبيض بـ"قناعين" يلوح بأحدها بوعود تدغدغ آمال البعض ممن نال اليأس منهم بالتعويل لنهاية مصادرة إرادتهم كما هو الحال لأوساط غير متجانسة بين عراقيينا الملتاعين بالسلاح المنفلت للميليشيات العابثة بأمننا واستقرارنا، وليس بالإدعاءات الأخرى، والثاني بما يوقعه من فرماناتٍ لا يتوقع مضامين بعضها الأقربون!
ولكن العودة الثانية لترامب بكل تناقضات قراراته وتوجهاته ستنتهي إلى اعادة ترتيب للبيت الأميركي للوثوب بعدها على جواره وحلفائه قبل خصومه.
إن ترامب إذ يهدد بشراء غزة وبناء ريفيرا أميركية على أنقاضها، يفوته مشهد هجرة الغزاويين من الجنوب إلى الشمال، في مسيرة آسرة بمغزاها متوعدة بما يظللها ظيم ينمو في وجدان كل فرد فيها. ويبدو أن ترامب ونتنياهو لم يبُصرا رحلة العودة إلى الشمال، والأهم انهما لم يتساءلا عما سيكون عليه الأطفال إذ يشبون ويسترجعون مسيرة الضياع بين الخيم والخرائب..
ربما سيتفرغ ترامب بعد أن يجف حبر الأقلام، ليقلب احتمالات ما أسره به قارئ الفنجان!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. امجد حسين

    منذ 8 ساعات

    رائع جدا جدا جدا....كعادتك يا الغالي على قلبي وفكري.

  2. امجد حسين

    منذ 8 ساعات

    ماذا يمكن أن أقول لك على هذا الكلام الدقيق والمؤثر.. ........؟؟؟

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram