TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ترامب غزة - ريفيرا الشرق الأوسط والنظام الدولي إلى أين ؟

ترامب غزة - ريفيرا الشرق الأوسط والنظام الدولي إلى أين ؟

نشر في: 17 فبراير, 2025: 12:03 ص

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

التساؤل اعلاه بحاجة لاجابة واضحة تؤكد الضرورة الاستثائية لإتخاذ موقف عربي رادع ضمن إطار موقف اقليمي ودولي حازم لا تردد فيه ولا مواربة تجاه خطة ترامب التي خرقت كل مقاييس وأعراف وقوانين النظام الدولي المعتمدة التي تعد جريمة التهجير جريمة إبادة موصفة مكتملة الاركان ضد شعبنا الفلسطيني وبالذات سكان غزة في المرحلة الراهنة التي قد تمتد من غزة مرورا بالضفة الغربية وفلسطين التأريخية المحتلة منذ 1948.

خطة إن قيض لها مجرد التنفس ستعني إنهيار النظام الاقليمي العربي عقب الانتهاء من حرب غزة ومن هجمات مدمرة بدءا من غزة مرورا بالضفة الغربية وإنتهاءا بكل اجزاء فلسطين التأريخية (من النهر إلى البحر) بل ولن تقف طالما لاتجد رادع عربي وإسلامي ودولي مواجه بقوة احلام وخطط نتنياهو التوراتية في اسرائيل الكبرى. بمعنى لن يسلم اولا من هذه الخطة الجيوسياسية الامريكية – الاسرائيلية أي فلسطيني يتمتع بهويته الخاصة والذي يرنو إلى دولة فلسطين الحرة والمستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، إذ قد آن أوان انتهاء الاحتلال الصهيوني منذ اكثر من 75 عاما. علما أن الكيان الصهيوني قد استخدم ولازال اقسى ادوات وإمكانات القهر والتدمير بضمنها قنابل ملكتها امريكا لاسرائيل تخترق اعماق الارض لمسافات بعيدة تعرف ب Buster Bombers لإقتلاع شعبنا المصابر والصامد في غزة. إذ بغض النظر عن التندر او القول أن خطة ترامب في تاسيس غزة - ريفيرا الشرق الاوسط غير قابلة للتطبيق بصورتها الراهنة وهو أمر قد يكون واردا، ولكننا أمام رئيس امريكي يماثل اولا بايدن في تسجيل ايمانه بالصهيونية – الانجليانية تماما كسابقه بايدن الذي اعلن صهيونيته بشكل واضح قائلا ما معناه: " إذا لم يكن هناك اسرائيل سنخلقها ". الفرق فقط رمزي او شكلي بين ترامب وبايدن إذ بينما كلاهما بايدن وترامب يؤكدان حرصهما على دعم اسرائيل عسكريا وسياسيا بكل الوسائل، إلا ان ترامب من منظوره الخاص بعيدا عن أي التزام شكلي بقواعد النظام العالمي غلف استراتيجيته بعبارات محلاة بعسل دس فيه سم قاتل لامناص منه إن لم يردع سيسهم في انهاء القضية الفلسطينية بعيدا عن حل اقامة الدولتين. مخططه تبلورمن منظور رجل اعمال عقاري يقول أنه جاء لإنهاء حروب الشرق الاوسط وخلق سلام مستدام والحقيقة هي هيمنة امريكية جيوسياسية يقودها اليمين الامريكي والاسرائيلي معا للسيطرة على الارض والموارد الطبيعية والبشرية لفلسطين وللمنطقة العربية لحساب القوة الاعظم واسرائيل حليفتها الجيوسياسية – الاقتصادية والعقائدية.
من هنا أولوية البدء العاجل جدا في إنجاز خارطة طريق استراتيجية ناجعة تمكن العرب والمسلمين وكل من عارض هذه الخطة (الجهنمية) أن يواجه ترامب – امريكا ونتنياهو – الكيان الصهويني بقوة ردع تستحقها اوردها في بعض المحاور:
اولا: على الجبهة الفلسطينية أن تنهي كافة خلافاتها السياسية - والايدولوجية البينية بغية تشكل موقف فلسطيني موحد سياسيا – دبلوماسيا بل و (أمنيا - استراتيجيا) بالضرورة لإدارة حازمة - حكيمة شرعية - لغزة والضفة معا. وإلا فإن اسرائيل ستمضي في مشروعها التوسعي الايدولوجي في تأسيس ما يعرف بيهودا والسامرة؟
ثانيا: يفترض بحكم الضرورة الاستثنائية عقد مؤتمر قمة عربي عاجل يحمل آليات تنفيذية عملية لتوحيد الجبهة العربية - الاسلامية والدولية المساندة ضد مخطط ترامب الخارج عن المنطق وعن قواعد القانون الدولي والانساني معا متسقا مع احلام نتنياهو التوسعية في خلق اسرائيل الكبرى من النيل للفرات أي تشمل بلدنا العزيز العراق لا سامح الله، كما وتغطي مصر والاردن ومنطقة المشرق العربي برمتها وفقا للرواية التوراتية التي تحمل مخططا خطيرا يهدد الاستقرار والامن في منطقتنا.
حقيقة الإمر أن منطقة المشرق العربي قد وصلت واقعيا لمرحلة من الضعف الجيوسياسي أغفلت معها العالم العربي ضرورة الاهتمام بوضع القضية الفلسطينية على قمة أجندة العمل العربي المشترك (الجامعة العربية) في الاطارالسياسي والدبلوماسي وفي مناح تفعيلا القوة بمعناها الشامل منذ ماقبل اوكتوبر 2023 وحتى الان. الامر الذي يستلزم إعداد العدة الاستثائية لبلورة حالة ردع استراتيجي واقعي لمواجهة مخاطر قيام حرب اخرى عاتية مدمرة تنطلق من عقر الكيان الصهيوني بمساندة امريكية حاسمة لا توفر للعرب ولا للمسلمين فرصا للامن وللتقدم وللتنمية الانسانية - الاقتصادية الحقيقية.
ثالثا: في رأيي المتواضع أن مرور اكثر من عام ونصف تقريبا على حرب غزة التي اوصلت شعبها لمرحلة قاسية مؤلمة بل مدمية للقلوب حيث تفوق اعداد القتلى والذين تحت الاركام المدمرة ال50000 نسمة واعداد الجرحى قد تنيف عن 150000 جريح واعداد المهجرين داخل القطاع تصل إلى مايقارب من مليوني نسمة مايقارب منهم 70 بالمائة من الاطفال والنساء تتطلب تحركا عربيا واسلاميا مدعما بكل القوى المحبة للسلام الدولي من دول ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية تؤكد أولوية التعاون والتنسيق المشترك في إطار استراتيجي لوقف مخططات جهنمية توسعية مدمرة لمنطقتنا في المستقبل المنظور. صحيح أن المعارضة الراهنة للمجتمع الدولي بضمنه العربي - الاسلامي قد اعلنت جهارا رفضها لخطة ترامب التي وصفت بالجنون وغير العقلانية إلا أن امريكا واسرائيل يعملان بقوة على أخراجها للعلن في وقت مناسب لهما في إطار زمني ومكاني مفاجيء. علما بإن الرئيس ترامب ومنذ إدارته الاولى من خلال صهره جارد كوشنر اليهودي المتطرف قد بذر بذورها فيما عرف بصفقة القرن التي شملت الاستثمار السياحي والعقاري في عموم اراض منطقتنا وفي فلسطين تحديدا بضمنها غزة والضفة الغربية بل وفي الصميم القدس الشرقية، ولكن يبدو أن ترامب قد شعر بإن وقتها المناسب حان لوضعها موضع التنفيذ العملي من خلال اقامة منطقة سياحية واسعة تبتدأ بغزة وربما تمتد لمناطق أخرى مستقبلا عرفها بريفيرا الشرق الاوسط، علما بإن وراء هذه الخطة التي تماثل مشروعات استعمارية سابقة، مشروعا اقتصاديا طموحا يلبي المصالح الامريكية - الاسرائيلية المشتركة حيث يقوم على استثمار الغاز الطبيعي في البحر المتوسط أنطلاقا من قطاع غزة بهدف تأمين الطاقة المربحة.
في كل الاحوال عقب تدمير اسرائيل لقطاع غزة بصورة ممنهجة ادرك ترامب انه يضرب عصفورين او ثلاث بحجر واحد فمن جهة يلبي مصالح بلاده بحصول امريكا على ارض جديدة لا يملكها مستفيدا من امكاناتها الاقتصادية من موارد الغاز الطبيعي والنفط الكامنة ومن جهة اخرى سيهجر ملايين الشعب الفلسطيني لدول متعددة بضمنها مصر (سيناء التوراتية حسب تصورات خيالية) وللمملكة الاردنية الهاشمية نازعا اية سلطة اردنية تضطلع الاشراف على أمانة واوقاف القدس الشريف ملبيا طموحات الصهيونية التوسعية الاستعمارية التي تحبذ ان ترى فلسطين وقد اختفت كليا من الخارطة الجغرافية - السياسية مسالة وفق القراءات المتوقعة لن تتحقق إذا ما ابدى العرب والمسلمين وغيرهم من قوى المجتمع الدولي المحب للامن والاستقرار والسلام رغبة جدية في تأمين حقوق وحريات الشعب الفلسطيني وفقا للقرارات الدولية الضامنة لبقاءه على ارضه بعيدا عن أحتلال بغيض اللهم إلا في حالة واحدة تتمثل بفقدان القوة الدافعة للمقاومة بكل الطرق والسبل شعبيا ورسميا من خلال استقطاب الكفايات والامكانات البشرية والمادية. واقع مرير يتطلب الاستعداد المناسب لإستخدام كافة انواع الامكانات الاقتصادية - المالية، الثقافية و الدبلوماسية (الخشنة والناعمة بل والذكية). من هنا أهمية تفعيل دور النخب من اعلامية - ثقافية وعلمية وغيرها من قوى عليها أن تتحمل مسؤولية تقديم الافكار والمقترحات الحيوية ليس فقط لاعمار غزة وغيرها من مناطق عربية عانت من تدمير اسرائيلي ممنهج في ظل سياسة همجية تعرف بسياسة (الارض المحروقة) بل اولوية وضرورة بناء مشروع تنموي عربي شامل ينهي ظاهرة الضعف العربي مركزا على مجالات تطور حيوية على مديات زمنية محددة وصولا للتقدم العلمي على مختلف صعد التنمية الانسانية المستدامة.
اخيرا لامجال للعجز العربي والاسلامي طالما اسرائيل وامريكا ماضيان في حلف جيوسياسي مستدام لايمكن مقاربته بأي علاقة مهما بدأت في الظاهر ذات طبيعة تحالفية استراتيجية كونها لازالت تقع في إطار وضع لتوازن القوى مختل مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وعدد أخر من قوى حليفة للمشروع الامريكي - الاسرائيلي العنصري التوسعي. لابد اذن من البدء عاجلا بخارطة طريق جديدة لشرق أوسط جديد كي تحمى دولنا وشعوبنا من مخاطر محتملة قد تهدد السلم والامن الاقليمي والدولي وهي مسألة حيوية متوقعة إذا ما اردنا الخروج من حالة ردود الفعل إلى محيط المشروعات المجدية والمبادرات الطموحة واقعيا، علميا وإنسانيا ضمن إطار أولوية الالتزام بعدالة دولية ناجعة جوهرها إحترام قواعد القانونين العام والانساني وكل الاتفاقيات والمعاهدات الموثقة في الامم المتحدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: دمشق صادق جلال العظم

العمود الثامن: تعريف المواطنة

العمود الثامن: آخر نكاتنا !!

باليت المدى: الجمال الذي تجاوزَ اختبار الزمن

ترامب غزة - ريفيرا الشرق الأوسط والنظام الدولي إلى أين ؟

العمود الثامن: محبة الاوطان

 علي حسين كلما يدور حديث عن المصالحة الوطنية التي تتحول مرة إلى المصالحة التاريخية، ومرة أخرى إلى المصالحة المستدامة، أتذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وأخشى أن أسال: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟ لأنني...
علي حسين

قناديل: فتاةٌ هندية وأميرٌ لبناني

 لطفية الدليمي كتب الأمير شكيب أرسلان كتابه الأشهر (لماذا تخلّف المسلمون؟ ولماذا تقدّم غيرهم؟) عام 1930. صار الكتاب اليوم يُصنّفُ في عداد الكلاسيكيات التي من المفيد قراءتُها والإستئناسُ بأفكارها رغم أنّ مياهاً كثيرة...
لطفية الدليمي

إنقلاب البعث في 8 شباط 63... ماذا بعد؟

عصام الياسري بعد منتصف الليل بقليل بالتوقيت المحلي، قامت في الثامن من شباط عام 1963 عناصر من القوات المسلحة والقوى الرجعية وحزب البعث بدعم أمريكي، بانقلاب على النظام الوطني في العراق. مع مرور الذكرى...
عصام الياسري

معارك إيلون ماسك .. الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) نموذجاً

حسن الجنابي قرر الرئيس الأمريكي وصديقه، الوزير بدون مرتب، الملياردير إيلون ماسك، التخلص من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يو أس أيد". وهذه من أكبر الوكالات الأمريكية التي تسهم في نشر الوجود الأمريكي في بقاع...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram