ثائر صالح
يروي يوهان أندرياس شاختنر (1731 - 1795) صديق عائلة موتسارت في زالتسبورغ، أن موتسارت الصغير كان يخاف من صوت الترومبيت، وحتى منظره يثير فيه الرعب. جاء هذا في ذكرياته عن فولفغانغ الصغير التي كتبها نزولاً عند طلب ماريا آنّا (نانرل) اخت موتسارت (1751 - 1829) في رسالة كتبتها إليه بعد وفاة أخيها العبقري.
فقد طلب أبو فولفغانغ، ليوبولد (عاش بين 1719 - 1787) من شاختنر أن يعزف الترومبيت أمام ابنه الصغير علّه يتغلب على مخاوفه، لكن خوف الطفل كان واضحاً فتوقف عن العزف. ويعتقد الكثيرون أن سبب ذلك هو الصوت الصادر عن الترومبيت (وبعض الأدوات النحاسية الاخرى)، إذ يصعب على العازف السيطرة على طبيعة الصوت بشكل كامل على الدوام مما يؤدي أحياناً إلى إصدار نغمات "ناشزة" بسبب استعمال ثقوب على الأنبوب، فلم تكن المكابس (الصمامات) المعروفة اليوم قد اخترعت بعد في ذلك الوقت. وأميل إلى الاعتقاد بأن سبب الانزعاج وربما الخوف هو امتلاك موتسارت لنعمة الأذن المطلقة، وعندما تخرج الأصوات عن حدود الأداء الصحيح، كما يحدث أحياناً مع الترومبيت الطبيعي من دون صمامات، تتحول هذه النعمة إلى نقمة.
عُرفت الأدوات المشابهة للترومبيت منذ الحضارات القديمة في الشرق الأوسط والصين، واستعملت كأداة تنبيه وفي الحروب بسبب صوتها الحاد، وقد استعملها الرومان كذلك. انتقل "جد" الترومبيت المعاصر إلى أوروبا في حوالي القرن العاشر من العرب الذين أسموه النفير وقد صنعوه من النحاس. يقدر الترومبيت على إصدار سلسلة النغمات الطبيعية (الهارمونية) التي تتكون عند أداء نغمة أساسية ما. ولم يكن في الإمكان أداء كل نغمات السلم الموسيقي قبل اختراع الصمامات، وهو ما يسمى بالسلم الملون (الكرومي أو الكروماتيكي) الذي يتكون من كل نغمات مفاتيح البيانو البيضاء والسوداء على السواء، لذلك كان على العازف استبدال الترومبيت بآخر ذي نغمة مناسبة عند الانتقال من سلم إلى آخر. لذلك يوجد ترومبيت على نغمة سي (وهو أكثرها انتشاراً) وأخريات على دو وره ومي بيمول ومي وفا الخ.
وقد استعمل الترومبيت في عصر الباروك بشكل كبير، بالخصوص عند ارتباط الموسيقى بالاحتفال أو الإنتصار وعادة ما استعمل سوية مع طبول التمباني. وقد طوّر العازفون الماهرون تقنيات تمكنهم من التخلص من الأصوات الناشزة التي تصدر أحياناً عبر السيطرة على طريقة النفخ في المبسم. لكن يبدو أن العازفين في زالتسبورغ في طفولة موتسارت لم يكونوا بهذا القدر من المهارة، وبينهم صديق العائلة شاختنر الذي أسهم في العزف على الكمان الثاني مع ليوبولد موتسارت في الرباعيات الوترية في بيت عائلة موتسارت. ويعرف عن شاختنر أنه عمل عند الأسقف - الأمير في زالتسبورغ كعازف ترومبيت منذ سنة 1754.
زال هذا الخوف من الترومبيت عند موتسارت لاحقاً، ويقال إنه كتب كونشرتو للترومبيت في 1768 (فقدت)، ونعرف بالتأكيد أنه كتب ديفرتيمنتو (سرناد) لأداتي فلوت وخمس ترومبيتات وتمباني (كوخل 188) ألفه سنة 1773 وكان في السابعة عشرة.
موسيقى الاحد: موتسارت يرتعب من الترومبيت

نشر في: 6 إبريل, 2025: 12:01 ص