علي حسين
لا تزال سنغافورة على قائمة الدول الأكثر تطوراً اقتصادياً ومعيشيا، وكانت هذه الجزيرة الصغيرة قبل ما يقارب الستين عاماً مجرد مستنقع للبعوض، وقف "لي كوان" وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لا يستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفًّاً يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها "بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية"، كان الناتج السنوي أقل من مليار دولار، ويوم ودّع لي كوان الحياة قبل ستة أعوام، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة، تؤكد انها الافضل في العالم.
سيقول البعض يارجل مالك تقلّب بدفاتر الدول "الكافرة"، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر في دولة مؤمنة مثل العراق توقف الحال فيها عند عبقرية بعض نوابنا الاعزاء الذين نشاهدهم كل يوم تحت قبة البرلمان يلقون محاضرات عن فنون الضحك على المواطنين وسرقة المال العام والانتهازية، وكيف يتحول النائب من موظف بسيط إلى ملياردير في اربع سنوات . يا سادة، الحاضر في العراق يخبرنا أصحابه أنّ جريمة سرقة المال العام، جريمة غير مخلة بالشرف، ولهذا من حق الذين "لغفوا" أموال العراق، أن يتنافسوا على كراسي البرلمان، بينما يعاقب بالسجن المشدد كل من أساء إلى "الرموز" الوطنية التي اشاعت الخراب منذ 22 عاما وحتى هذه الساعة.
حين تكتب الصحف العالمية عام 1965 أن "هناك تنبّوءاً بأن "سنغافورة لن تبقى على قيد الحياة أكثر من ثلاث سنوات، ولا يوجد في الموقف الحالي ما يوحي بأنها قادرة على البقاء إلى يوم غد"، يردّ لي كوان: "إن البلدان تموت حين تفقد القدرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها، وبما أننا قررنا أن نعيش أحراراً فلن تختفي سنغافورة من الخارطة"، ويقول لمراسل الواشنطن بوست: "المناضلون الذين تناوبوا على حكم بلداننا تحولوا إلى نهّابين، ولهذا عندما أقسمت اليمين طلبت من جميع أعضاء الحكومة أن يرتدوا قمصان بيضاً وبناطيل بيضاء لنرمز إلى الأمانة."
كلّ العالم ينظر اليوم إلى العراق ويضرب كفًّا بكفّ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب ابراهيم الجعفري وبشعارات صالح المطلك، إلى الوراء، إلى مجرد دولة تضحك على المواطنين بوعود أطلقتها الحكومات منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن مشاريع الإسكان والتنمية والصحة والتعليم والكهرباء التي لا نزال نتوسل إيران حتى لا تقطعها عنا.
كل يوم تُسرق أموال البلد، لكن البرلمان مشغول بنكتة عدم اكتمال النصاب، لأن راحت النواب أهم من نسبة الفقر التي يعيش فيها الملايين في كل مرة تطلب الدولة من الفقراء والمعدمين وحدهم أن يتحملوا أكثر مما يتحملون، وأن يشدوا الأحزمة، لكن ماذا عن الطبقة السياسية التي أكلت الأخضر واليابس؟










جميع التعليقات 1
Khalid muftin
منذ 2 شهور
عندما يتحولا البلد إلى بقرة حلوب لدول الجوار بمباركة سياسين فاسدين وعملاً للأجنبي.فاقراء السلام.