علي حسين
منذ أن قررت احتلال هذه المساحة من الصحيفة قبل ما يقارب الستة عشر عاما، وأنا لديّ مشكلة أساسية مع ما يقوله العاملون في "مزاد الديمقراطية العراقية"، وتراني أضحك كلما سمعت أحدهم يذرف الدمع على حال العراقيين، ويطلق الزفرات والآهات على أحوال البلاد والعباد، والأموال التي سلبت في وضح النهار.. ومثل جميع كتاب الأعمدة أخذت أكتب عن أحوال البلاد، وأتابع خط سير ساستنا الافاضل وأسأل نفسي متى يعرفون بحال العراقيين؟، وكنت كلما أسمع احدهم وهو يتحدث عن التنمية والإعمار أضحك في سري مثل ملايين العراقيين الذين حصدوا ثمار تنميته : موت يسجل ضد مجهول.. وميزانية تنهب في وضح النهار.. وغياب للخدمات.. ودولة تعجز عن توفير كهرباء ومستشفيات تليق بالبشر، مع وفرة هائلة من اللصوص والانتهازيين ومشعلي الفتن.
أكتب هذه الكلمات وأنا أقرأ الخبر الذي يقول ان مبلغا يتجاوز الملياري دولار اختفى من أموال صندوق الرعاية الاجتماعية ، ورغم البيانات الوردية التي اطلقتها وزارة المالية إلا ان المواطن المسكين لم يحل لغز هذه الاموال التي قيل مرة انها مجمدة ومرات نقص في السيولة ، ومثل سرقة القرن لا نعرف حتى هذه اللحظة كيف يتم التلاعب بمليارات الدولارات من خزينة الدولة العراقية ، وفي كل مرة يسدل الستار على سرقة قرن لتظهر لنا سرقة قرن اخرى .
في بلاد العجائب والغرائب يبدو المشهد شديد التناقض وموغلاً فى السخرية، جهات مسلحة تصر ان من حقها ان تواصل لعبة اطلاق الصواريخ والمسيرات ، ومليارات تنهب ، وطبقة من الساسة وتجار الفرص سيطرت على كل شيء.. هذا عصر يريد الجميع أن يضعه تحت إبطه، ساسة سوف تذكرهم كتب التاريخ، بأنهم ، بلا مواقف سوى مواقف الصفقات ، بلا لون سوى لون واحد، الابتزاز والطائفية، وسرقة ثروات البلاد تحت شعار "هذا من فضل ربي"..
كان أمام العراق نموذجان : الأول سنغافورة ، التي نهضت من ركام الفشل والخراب في أقل من عقد لتتصالح مع نفسها ، لتصبح إحدى القوى الاقتصادية الكبرى، والثاني أفغانستان، التي حققت شيئًا واحدًا: جلد الفتيات في الشوارع . جماعتنا اختاروا النموذج الأسوأ. أهملوا الكفاءات ، واجلسوا خبراء الانتهازية على مقاعد المسؤولية ..وقرروا ان يستعينوا بالمسيرات لحل المشاكل السياسية ، مثلما تستعين عشائرنا بالقذائف .
ولاحظ عزيزي القارئ ، ما هي القواسم المشتركة في اخبار بلاد الرافدين : قصف ، حقل كورمور للغاز بالسليمانية ؟ ضياع المليارات ، غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة ، استبدال الوطنية بشعارات طائفية ،غياب العلم والتنمية والعدالة الاجتماعية ، وعودة عتاب الدوري ، واستمرار عالية نصيف الجلوس على انفاس العراقيين . وشعور أصحاب المسيرات والصواريخ بالسعادة والفرح وهم يقرأون أخبار اللجنة التي شكلتها الحكومة لمعرفة من هم اصحاب المسيرات .









