TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "الدين" المرعب

"الدين" المرعب

نشر في: 13 أكتوبر, 2012: 07:09 م

السياسيون على مر العصور يظهرون تبجيلا للدين، بعضهم عن ايمان، وآخرون عن ايمان ومصلحة، والبعض الأخير فقط عن مصلحة. نابليون كان من النوع الأخير. وقد ذكر يوما انه  جعل نفسه مسلما في مصر، بابويا في ايطاليا، "واذا كان علي أن احكم الشعب اليهودي فسأعيد بناء معبد سليمان".

في جميع هذه الأحوال حافظ الدين على موقعه العلوي، لا يرفعه صدق حاكم، ولا يخفضه نفاق سلطة. عندما يتعرض للقمع يزداد هيبة ويتسع نفوذا. وحين تضيق الارض بالناس يصبح الملاذ. انه المقدس. المقدس الخالد. لكن صورته تبدأ بالإهتزاز عندما يتحول الى سلطة. فالدين لا يحكم بنفسه وانما البشر هم الذين يحكمون. والسلطة والناس معا هما من هذا العالم الذي يشوبه النقص والفساد.

مِنَ الذين يحكمون باسم الدين تأتي خسائر الدين والحياة. عندما كانت السلطة العليا عائدة لبابا الفاتيكان قال مكيافلي:" ان أول ما ندين به نحن الايطاليين للكنيسة ورجالها هو اننا صرنا ملحدين ومنحرفين". هذا هو خطر الأنظمة الثيوقراطية على الدين والأخلاق. وما من خطر ينال دين الناس وأخلاقهم الا وينال حياتهم أيضا. وهكذا اشتعلت حروب أوروبا الدينية، نتيجة سياسات سلطاتها القائمة على مزاعم تمثيل المسيحية. مع تلك المحنة التي عرفتها "القارة العجوز" في القرن السابع عشر ظهر الوجه المرعب لـ "الدين".

والدين لا يمكن أن يكون مرعبا لكن البشر هم من يجعلونه كذلك. فالبشر هم الدين. هم المرعبون وهم المسالمون. هم من يأخذ الدين الى هذه الوجهة أو تلك. هذا ينطبق على أي دين وعلى أي بشر. وخلال ما أصبح يسمى بـ "الطائفية" عامي 2006 – 2007 جربنا في العراق ذلك الوجه الذي أنزل الاسلام من عليائه وسموه الى صراع مذاهب، ثم الى قتال ومذابح على الهوية. ولوهلة بدا ان تلك المحنة يمكن أن تصبح شيئا من الماضي. ولكن المخاوف من تجددها استمرت وازدادت في الآونة الأخيرة مع تصاعد عمليات "القاعدة"، وتفاقم ازمة الثقة بين الكتل السياسية، ثم على وجه الخصوص مع دخول العراق طرفا في الصراع الطائفي الاقليمي الذي يذكِّر بحروب أوروبا الدينية.

وقد نكون قريبين من مثل تلك الحروب، مع تطورات الأزمة السورية خصوصا، ومع تنامي قوة الاسلاميين بعد "الربيع العربي" عموما. فلأول مرة تنقسم المنطقة الى جبهتين شيعية وسنية. ولطالما عبر المسؤولون في العراق عن مخاوفهم من احتمالات امتداد آثار هذا الصراع الى بلدهم، ولكنهم لا يفعلون في الواقع سوى ما يعزز صدقية هذه المخاوف. وقد تكون صفقة الاسلحة الأخيرة مع موسكو أحد أسباب رفع منسوب تلك المخاوف.

وفي العراق، كما في غيره من "دول الجوار"، يوجد سبيل واحد لطي صفحة هذا الصراع المرير، هو أن تكون الحكومات فوق الطائفية، تعطي الطوائف حرياتها، من دون ان تصبح طرفا في خلافاتها. ولكن الحاصل هو تبني الحكومات والأحزاب لتلك الخلافات من اعلى السلطة مرورا بوسائل الإعلام ووصولا الى التربية والتعليم. وما من سلطة دنيوية تجاوزت حدود وظيفتها من حماية الأرواح والحريات والأملاك الى التدخل في عقائد الناس وأفكارهم واخلاقهم الا وقادت الى كارثة. ولكن العزاء كان في الدين. فمن دون الدين يغدو الانسان وحيدا. وهذه هي الحال مع الحكومة الدينية: كارثة من دون تعزية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram