إن أكثر المواضيع إلحاحاً في العمل الشرطي والأمني عموماً هو النزاهة والشفافية وتكريس الجهود لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وذلك لان أدب العمل الشرطي يشير إلى أن نمط الحياة الدارجة في مجتمعنا يعتمد بشكل كبير على رؤية قيادات الشرطة في التعامل مع المواطن للوصول إلى أحكام صائبة وديمقراطية.
لذلك يفسر الموقف السلبي لمعظم منتسبي الشرطة تجاه الأخذ بمبادئ الأخلاق المهنية في العمل الشرطي إلى عاملين رئيسين أولهما اجتماعي والثاني عملي والعامل الأول يتضمن ما يأتي:
1- يتم تعيين منتسبي الشرطة في سن مبكرة من العمر (بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين ) دون أن تكون لديهم أدنى تجربة مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
2- معظم أفراد الشرطة منحدرون من طبقات عشائرية قريبة للبعض من ناحية القرابة والمصاهرة .
3- معظم المؤسسات التعليمية التي يتلقى فيها منتسبو الشرطة تعليمهم بالعمل الشرطي لا تولي أمر الديمقراطية والأخلاق اهتماما في مناهجها ، كما أنها لا تشجع على التفكير الحر والمناقشة الجادة وإذا حدث ذلك فانه يتم بأسلوب جاف وعقيم، كأن لا علاقة لها ببناء شخصية الطالب.
كما يتضمن الجانب العملي ما يأتي:
1- إن كليات الشرطة تنهج نهجا تعليميا اقرب إلى الاسلوب العسكري وعند تقديم مبادئ حقوق الإنسان والأخلاق في مناهجها ، فهي تقدم باقتضاب ودون تعاطف ، ثم أن هذه الكليات تميل إلى التركيز على معايير سطحية في اختيار الطلاب ، مثل السلوك العام والمظهر الخارجي أكثر من التركيز على أخلاق الطالب وثقافته وسلوكه الديمقراطي ، وبذلك فان معظم الطلاب يتم تدريبهم لتطبيق مبدأ (الحكم بالقانون) وليس حكم القانون، ولا شك في أن الأخير يتطلب سعة في التفكير، ويبدو احد الأهداف الرئيسة لكليات الشرطة هو تلقين الطلاب أسلوبا موحدا في التفكير وذلك لكي لا يعمل احد فكره بشكل فردي، ثم أن هناك مفهوما سائدا مفاده أن القوانين المسلكية العامة في الشرطة صائبة وملائمة بغض النظر عن رأي المواطنين فيها .
2- تطبع الثقافة الشرطية السائدة بخصائصها المشار إليها، العمل الشرطي بطابع البيروقراطية، فيصبح التركيز في هذا الحال على الانضباط والضبط العسكري.
3- تفتقر مديريات الشرطة ومراكزها بأسلوب إدارتها التقليدي القائم على النموذج العسكري، الى الوعي بمكاسب الديمقراطية وتفتقد الاستعداد لتشجيع من يسعون لتحقيق ذلك.
وبناء على ما تقدم يتضح أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هما مستوى فكري متقدم يمكن تكوينه بالتعلم والتجربة والعمل الدؤوب لتحقيق ذلك ، ولهذا فان فضائل العمل الديمقراطي ينبغي النظر إليها وفهمها كمنظومة مبادئ ، تميز عمل المجتمع الديمقراطي بشكل يمكن الناس بتنوعهم ونقاط ضعفهم ، من أن يعيشوا أحرارا وبما ان كل ما يمكن تعلمه يمكن تعليمه ، فليس من المعقول الاعتقاد بان أخلاقيات وقيم الديمقراطية لا يمكن اكتسابها في فصول الدراسة بنفس الطريقة التي بها تكتسب العلوم الأخرى، ولكن مع هذا يبقى من المؤكد ان التركيز والحض على مبادئ وأخلاقيات الديمقراطية في كل المراحل التي يمر بها الضابط والمنتسب مثل التدريب قبل وأثناء الخدمة ، يمكن أن يطور بشكل حاسم الجانب الديمقراطي في شخصيته وسلوكه اليومي ، مثلما يطور التدريب إجراءات التحقيق والكشف والقدرات الفنية والقانونية الأخرى.