TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هستيريا

هستيريا

نشر في: 21 أكتوبر, 2012: 07:53 م

كلما حاولت الغوص في مفاهيم الإنسان أو بناءاته الاجتماعية شعرت بحاجة ملحَّة إلى ضحكة هستيرية مدوية، ذلك أن هذه المحاولات توقفني أمام الكثير من الزيف... اسأل نفسي، مثلاً، عن ماهية الانتماء أو معناه، فلا أجد لهذا المفهوم، ولا للبناء الاجتماعي الذي يتأسس عليه، أيُّ أساس مقنع!!
أبدأ عادة من الانتماء للعائلة محاولاً الوصول لمعنى العلاقات العائلية، ثم الأساس الذي تستقر عليه، لكنني لا أجد لها أساساً متيناً.. إذ الجينات الوراثية، أو ما يسمى بآصرة الدم، لا تُشكِّل هذا الأساس، فهناك الكثير من الأبناء يولدون نتيجة لعلاقات غير شرعية ولا يعرفون بهذه الحقيقة لا هم ولا آباؤهم، ويبقى سرهم مدفوناً في صدور الأمهات، ليأخذنه معهن إلى مثواهن الأخير، ولو كانت الآصرة مؤثرة لشعر الأبناء الذين يتم تبنيهم، بأن علاقتهم بعوائلهم مزيفة، قبل أن يخبرهم أحد بذلك.
وعندما لا تكون الجينات هي الأساس لا يبقى أمامنا غير الاعتياد، فوجود احدنا وسط افراد محددين ـ يأكل معهم وينام بقربهم ويشاركهم مشاعرهم ويشترك معهم بالمصير ـ يدفعه اتجاه الشعور بالانتماء لهم. لذلك أميلُ دائما إلى القول بأن الانتماء عبارة عن قاعدة من الذكريات تتأسس عليها مجموعة من المصالح ثم يتم تدعيمها بسور من المشاعر والعواطف.
لكن، من منا يستطيع أن ينسجم مع حقيقة أن كل ما يربطه بأفراد عائلته ينحل في النهاية إلى مجرد ذكريات؟ مجرد معلومات مسجلة على خلايا الذاكرة ما أن يتم مسحها حتى ينتهي معها كل شيء، وفعلاً ألا تنتهي العلاقات العائلية بالنسبة لفاقد الذاكرة؟ مع ذلك لا أحد يستطيع أن ينطلق من هذه الحقيقة ويُنهي علاقاته العائلية؟ يقول، مثلاً: طز، ما دامت العائلة مجرد ذكريات فلتذهب إلى سقر؟ لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك، لأن العاطفة أقوى من الحقيقة.
طيب هذا فيما يتعلق بالانتماء للعائلة والوطن، فماذا عن الانتماء للدين والآيديولوجيا، إذ يبدو أن الانتماء هنا مُؤسَّس على الإيمان، ويبدو على الإيمان أنه أكبر من العواطف وأكثر من الذكريات، لكن إذا كان الأساس الحقيقي لهذا الانتماء هو البحث عن الحقيقة من أجل الإيمان بها، فلماذا لا يتحمل الأعم الأغلب من المؤمنين مناقشة احتمالات الخطأ في مسلماتهم؟ هنا نعود لموضوع التعود وما يتأسس عليه، فإيمان فرد ما بفكرة أو دين، يجعله مشتركاً مع بقية المؤمنين بها، بالذكريات، ثم المصالح، ثم الوجود. يتأسس بينه وبينهم قاعدة من الذكريات التي تتأسس عليها مجموعة من المصالح التي تُدَعَّم لاحقاً بسور من العواطف، هذا السور هو الذي يمنع أغلب المؤمنين من مناقشة ثوابت إيمانهم، فهذا النقاش يجعلهم وجهاً لوجه أمام حقيقة انتمائهم المزيفة، ما يجعلهم أمام خيار مُغالبة العاطفة من أجل الحقيقة، لكن من يستطيع مُغالبة العاطفة؟
إذن هل نترك جميع أنواع الانتماء ونغادر إلى الفوضى؟ بالتأكيد لا، ولكن علينا أن لا ندفع للانتماء أكثر مما يستحق من ضرائب، علينا أن لا ندفع له المزيد من الدماء، علينا قبل أن نقرر قتل الآخر المنتمي للإيمان المختلف، أن نتذكر بأن انتماء كل منّا مجرد ذكريات وعواطف، أبداً الانتماء لا صلة له بالحقيقة، نحن نؤمن بما نألفه من القضايا، لا بما نتحقق منه ونحققه، إذ أن الباحث عن الحقيقة لا يجد أي فرصة للانتماء.
أخيراً، وإزاء كل ما تقدم يا أصدقائي، من منكم يشاركني الرغبة بضحكة هستيرية مدوية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. علي الخزعلي

    مقال رائع غير مسبوق واشاركك الرغبة ذاتها ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

  2. أمل فرحات

    حقا ضحكة هستيرية مدوية .. لكن على مفاهيمك السطحية

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram