لاريب أن خيرات العراق ، ولاسيما النفط منه كان من الأسباب الرئيسة التي جعلت بريطانيا تنظر إلى العراق نظرة خاصة ، فقررت احتكار هذه الثروات منذ منتصف القرن التاسع عشر ، وبدأت جهودها للسيطرة على منابع النفط التي كانت ولاية الموصل تقوم على أكبر منابع النفط في العالم يومذاك . غير أن مطامعها واجهت تحديات مختلفة ، تحددت فيما سمي بالمسألة الشرقية ، إذ أخذ التنافس بين الشركات العالمية يشتد لاحتكار نفط ولاية الموصل . وقد استمر النزاع الدولي لسنوات طويلة انتهى باحتلال بريطانيا الأراضي العراقية في الحرب العالمية الأولى .
بدأت الحملة البريطانية لاحتلال العراق منذ أن نزلت على منطقة الفاو في اليوم السادس من تشرين الثاني1914 . واحتلت البصرة في الشهر نفسه . وسقطت بغداد بيد البريطانيين في آذار 1917 ، وتقدمت القوات الإنكليزية إلى الشمال واحتلت كركوك في السابع من مايس من 1918 . وفي مثل هذا اليوم من عام 1918 أعلنت الهدنة بين الحكومتين البريطانية والتركية بعد مباحثات متواصلة . كانت الهدنة عملا مظهريا فقط بالنسبة لبريطانيا ، فقد استمرت قواتها بالتقدم فاحتلت حمام العليل في اليوم التالي من إعلان الهدنة ، ثم دخلت مدينة الموصل في اليوم الثاني من تشرين الثاني ، بعد انسحاب الأتراك منها ، وهكذا تمكنت بريطانيا من احتلال العراق بأكمله ، وحققت أحلامها القديمة في السيطرة على خيرات الشرق .
لقد أدى احتلال الموصل بعد إعلان الهدنة مشكلة جسيمة بين العراق الدولة الفتية الواقعة تحت الانتداب البريطاني ، وتركيا التي أعلنت أن الموصل يجب إن تعود إليها لأنها احتلت بعد الهدنة . وكانت قضية الموصل أخطر القضايا التي واجهت الدولة العراقية في بدء تأسيسها . وكانت بريطانيا قد وضعت جميع إمكاناتها السياسية والدبلوماسية لإبقاء الموصل ضمن السيادة العراقية ، وهذه حقيقة يجب أن تقال وأن لا تختلط الأوراق فيها ، وكان تأثيرها واضحا في مؤتمر لوزان الذي عقد يوم 20 تشرين الثاني 1922 ، لبحث قضية الحدود بين تركيا والدول المجاورة لها ، فاعتبر المؤتمر ولاية الموصل تابعة للعراق ، إلا أن المجلس الوطني التركي رفض هذه المعاهدة مطالبا بإلحاق الموصل بتركيا . وفي نيسان 1923 عقد مؤتمر لوزان الثاني فقرر إحالة القضية إلى عصبة الأمم التي قررت تشكيل لجنة خاصة لبحث القضية . استعدت الحكومة العراقية لوضع المستلزمات المطلوبة وتقديمها إلى اللجنة الدولية التي ستزور العراق وتحقق في تابعية الموصل للعراق . وفي الموصل تنادى أغلبية الأهالي للدفاع عن عراقية الموصل ، واحتشدوا في الشوارع لبيان رأيهم إلى اللجنة الأممية . وبعد أن عرفت اللجنة رأي أهالي الموصل في الأمر ، رفعت تقريرها السري إلى عصبة الأمم . وفي 16 كانون الأول 1925 قرر مجلس عصبة الأمم إلحاق ولاية الموصل في العهد العثماني جميعها بالعراق وترسيم الحدود بين العراق وتركيا والمصادقة على المعاهدة العراقية البريطانية .
حدث في مثل هذا اليوم: هدنة 1918 وقضية الموصل
نشر في: 30 أكتوبر, 2012: 11:00 م