لأن المعلومة غير متاحة في العراق يبقى الصحفي يدور حول نفسه خلال محاولاته الإجابة على أكثر الأسئلة إلحاحاً، وتزداد حيرته كلما اقتربت المعلومة من الخطوط الحمراء، وتزداد كلفة هذه الخطوط كلما كانت المعلومات متعلقة بملفات الفساد، أو باحثة عن المتسترين عليها.
منذ أكثر من سنتين وأنا أبحث عن سر تأخر إنجاز المجسرات في بغداد، وعن صحة المعلمات التي تتحدث عن اخطاء فادحة بتصاميمها، وعن فساد في تنفيذها، ويعزز هذه المعلومات الزمن الذي استغرقه التنفيذ، فمجسر باب المعظم بدأ العمل به منذ سنوات، ومنذ سنوات والشوارع مسدودة والمرور معرقل، ولا أحد يستطيع أن يعرف الأسباب الحقيقة التي تجعل عاصمة العراق أشبه شيء بقرية من القرون الوسطى. وكنت في كل مرة أحصل على معلومات حول الموضوع تؤكد الخلل أو تشرحه، تأتي معلومات أخرى تنفيها، من مسؤول يحاول الدفاع عن نفسه، أو مستفيد يحاول حماية مصالحه. الأمر الذي يجعل المعلومات متضاربة، ومع عدم وجود قانون يكفل حق الحصول على المعلومة، لا نستطيع محاكمة المسؤولين بوثائق كافية تفضح الفاسد او المتسترين عليه.
على كل حال، سألت محافظ بغداد في لقاء تلفزيوني سابق، عن سر هذه المجسرات، فأكد لي أنها تعاني مشاكل كثيرة منها أن مخططاتها غير دقيقة وانها انشئت بدون أي تنسيق مع الجهات ذات العلاقة والاختصاص، خاصَّة مديرية المرور العامة التي هي الجهة الأحق بتحديد التقاطعات الأكثر حاجة إلى المجسرات لم يؤخذ رأيها بالموضوع، مؤكداً بأن عدم التنسيق مع مديرية المرور بحد ذاته يعد مؤشراً خطيراً، يؤكد الارتجال وعدم المسؤوية في التخطيط والتنيفيذ. لكن المعلومة التي زودني بها المحافظ فقدت قيمتها عندما أسرع أمين بغداد السابق إلى تكذيب المحافظ والتأكيد على وجود التنسيق مع المرور العامة. فأعادني تصريح الأمين إلى نقطة الصفر، إلى أن شاءت المصادفة أن التقي بمحافظ بغداد مرة أخرى فنقلت له تكذيب الأمين لتصريحه وطلبت منه تأكيد عدم وجود التنسيق بين أمانة بغداد بين مديرية المرور، قبل وخلال انشاء الأولى للمجسرات، فأعاد الرجل تصريحه السابق وأكد لي صحة معلومته السابقة التي استقاها من مدير المرور العامة، نفسه.
تصريح المحافظ الأخير أثارني، وأثار فضولي، إذ ليس من المعقول أن تدار الدولة بهذا المستوى من الارتجال، وبقي فضولي معلقاً على أمل الحصول على فرصة مناقشة الموضوع مع مسؤول معني به، وجاءت الفرصة مع وزير الاعمار والاسكان، الذي رفض التعليق على الموضوع باعتبار أن المجسرات في بغداد خارج صلاحيات الاعمار والاسكان، لكنني طلبت منه رأيه باعتباره مهندسا مختصا بالطرق والجسور. وعند ذاك وافق الرجل على التصريح معتبراً أن مجسر ساحة الواثق بحد ذاته كارثة في مجال الإنشاءات، وأن ليس هناك ما يستدعي إنشاء مجسر على تقاطع ثلاثي، هذا من جهة ومن جهة أخرى ليست هناك دراسة جدوى دقيقة سابقة على الإنشاء، وإذا كانت موجودة فالوزير يشكك بأنها احتوت على إحصاء لعدد العجلات التي تمر بالتقاطع لمعرفة حاجة هذا التقاطع لبناء مجسر، ثم استغرب أن يكون المجسر باتجاه واحد، واستغرب أيضاً أن التصميم لم يراعي حاجة سائق العجلة لمسافة تمكنه من تفادي النفق الذي ينتهي به مجسر ساحة الواثق. هذه المعلومات التي أكدت لي وجود خلل فاضح، شجعتني على مناقشة مجسر منطقة الشعب، فضحك الوزير وهو يقول بأن هذا المجسر لم يتم بناؤه على التقاطع الذي يفترض ان يكون عليه، وكان من الواجب أن يكون على تقاطع الصحة، لكنه بني على التقاطع السابق عليه، وهو تقاطع لا يحتاج لأي مجسر.
أمام مثل هذه الإجابات لم يكن أمامي إلا التساؤل مدهوشاً، عن مصير المسؤولين عن هدر المال العام، هل يعقل أن تمر مثل هذه الفضائح دون حساب؟ هذا ما سألت عنه وزير الاسكان، الذي علق عليه بتعليق غريب، حيث قال: "وصلت إلى حالة اقرر فيها أن أحمي إبلي وللبيت رب يحميه" في إشارة لموقف عبد المطلب جد النبي محمد، الذي حاول حماية ابله من هجوم ابرهة على مكة، ولما عوتب على حرصه على إبله وتركه حماية بيت الله، قال: للبيت رب يحميه.. تصريح السيد الوزير فاجأني، ولو كانت بديهيتي بالسرعة اللازمة لسألته عن الرب الذي يقصده هل هو رب الحكومة أم رب العالمين؟
رب الحكومة أم رب العالمين؟
[post-views]
نشر في: 20 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
احمد الزبيدي
بعد ان قرات مقالك (رب الحكومة ام رب العالمين) تسائلت هل ان الوزير قالها رسمياً اوخلف الكواليس مما دفعني الى الذهاب الى موقع الحرة ومشاهدة اللقاء بعد ان كانت فاتتني المشاهدة حين عرض البرنامج على القناة. في البدئ لا اود الطعن في شخصية الوزير لانه من الوزراء