مساء أمس الاول الاثنين أجريت اتصالاً مع الدكتور ضياء المنشىء المقيم في امريكا لغرض العلاج من مرض خطير يهدد حياته كل دقيقة، وكالعادة كل شيء في جسده العليل يتغير نحو الأسوأ باستثناء حبه الجنوني للعراق يهيم في اعماق نفسه، برغم قضائه عامين في مهجر قاسٍ لم يجد سلوة فيه غير استذكار بطيء لقطار العمر وهو يقطع المسافات الحلوة والمرة عبر محطات الوفاء للارض والدم.
واأسفاه .. لا عودة للمنشىء الى حدائق أبي نؤاس وشارع المتنبي وساحتي التحرير والاندلس ، حقيقة يعلمها شيخ الصحافة الرياضية مثل وخز اليقين ، فقد أخبرني أن الهواء شحّ في قصبته ، وضاقت به سبل الحركة ، ولا يملك غير التمتمة بالدعاء للصحوة من سكرات الرحيل.
لم استطع حبس دموعي التي انفرطت هرباً من معتقل حزني لما يعانيه هذا الرجل من بلوى تتغذى على قلبه ، وقلق مقيم في رأسه ، حتى تمنن على قلمه أن يمارس سحر الخيال ويحلق به على بساط ذاكرته المرهقة لعل مدن الاحباب تفتح ابواب الاشواق وتغلق نافذة وجعه الى الابد.
آه ثم آه يا عراق ، طال غياب الاوفياء ولم يغسل رافداك غربتهم بعد.. وهذا المِحْراب في بلاط كلمة الحق تُعطر انفاسه الطيبة عتبة العام الجديد، وموال صبره : لا عزاء لدموع تداوي جراح الروح.
***
واحدة من أهم نجاحات البرامج الحوارية الرياضية الهادفة هي مدى قدرة مقدم البرنامج على بسط الهدوء وكبح جماح ضيوفه وعدم خروجهم عن مسلمات عقد هكذا برامج تبغي مناقشة مشكلة لإيجاد حل ، وليس تصديع رؤوسنا بلغو منفعل لا طائل منه غير تسفيه الوقت وتشتيت فكر المشاهد بأمور جانبية لا ترتقي لأهمية القضية وانعكاسها على الواقع المتردي لعموم قطاعات الرياضة.
هذا ما حصل بالضبط حيث فوجئنا أمام شاشة إحدى القنوات المحلية بمقدم برنامج رياضي يضيّع حلقته التي خصصها لمناقشة قانون انتخابات الاتحادات المنضوية للجنة الاولمبية الوطنية بحضور ثلة من المتخصصين في شؤون الانتخابات والعمل الاولمبي مع زميلين من العاملين في الصحافة الرياضية ، حيث لم تمض سوى دقائق معدودة من بداية البرنامج حتى تلاطمت الآراء في ما بينها ، وأخذ كل ضيف يمارس النقد بلا استئذان ، يصرخ ويتوعد ويهمّش ويَسخَر من الآخر براحته وسط حيرة مقدم البرنامج الذي لم يكن موّفقاً في إدارة الحلقة حيث توّسل كثيراً وهو يلتفت يميناً ويساراً مكرراً نداء الاستغاثة لهم (الله يخليكم) طالباً منهم الهدوء والتروي عند طرح الآراء ، لكنه لم يجد من يصغي إليه حتى أنقذه فاصل إعلان بضع ثوان ، ثم تكرر المشهد نفسه ووجد المتفرج أنه مقحم لمشاهدة خصومة في سوق هرج لا ينقصها غير استبدال الكلمات باللكمات!
من غير المعقول ان يقلب البعض الطاولة ويمارس التسلط النرجسي بهدف النيل من كفاءة آخرين لم تسنح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم في الحلقة ذاتها، فالمسؤولية مشتركة لانقاذ رياضتنا بلا مزايدة أو تنكيل!
نأمل من ضيوف البرامج الحوارية عند الأزمات ان يتحلوا بروح الرياضة وقوانينها التي تؤكد على اللعب النظيف وقبول المنافس والرضا بالخسارة لانها الوجه الآخر للفوز في عملة الانتخابات المتداولة بين الشعوب المتحضرة.
***
همزة وصل : ان الاختلاف الذي اشرنا اليه في الحوار المنفلت لاحدى البرامج الرياضية ليس نابعاً من الحرص على مصير الرياضة ، بل نشاز بكل ما تعنيه الكلمة لخدمة اجندات رياضية معروفة حاول بعض الضيوف الغمز في قنواتها ، وهذا ما حذر منه الدكتور المنشىء في احدى تحليلاته الواقعية لما آلت اليه قيادة العمل في الاولمبية وغيرها من مفاصل الرياضة من تصارع وسوء تدبير ما بعد عام 2008 الذي شهد حل الاولمبية بالقرار 184 بعد ان ظن البعض المناصب الرياضية (تركة ورثة) يدافعون عنها بكل ما أوتوا من تكتلٍ وتحزب ، وبلا حياء!